تعليقاً على مقال د. عبدالله المعيلي ( أبنائكم أمانة في أعناقكم ) والمنشور في صحيفة الجزيرة عدد 15564 ليوم الأحد 21 رجب 1436هـ فأن حرية التفكير والتعبير وإبداء الرأي المتزن المنضبط بحدوده دون أي كواتم، شرط أساسي لأي تقدم فكري ذو فائدة، وهو أولا حق إنساني طبيعي وأن مصادرة هذا الحق أو التضييق عليه له انعكاسات خطيرة على الأفراد والمجتمعات على حد سواء، حيث يؤسس للاستبداد الفكري الذي لا يستقيم وحرية التفكير والتعبير ونتائجه على إيجاد حياة أفضل، فكل إنسان حر في تفكيره وتأملاته واختيار قناعاته المقتصرة على الإنسان ذاته والتي تعتمد على مقدرته على المحاكمة العقلية.
وإن كان هذا الأمر عادة ما نخص به الكبار، إلا أن إعطاء مساحة تعبير كافية للطفل يجب أن تبدأ مع ميلاده، وذلك بتأمين مناخ طبيعي ينمو فيه بملكاته وقدراته ويتحرك فيه بسلوكه بشكل حر، وهكذا يستقيم نموه النفسي والفكري.. ضرورة وجود مساحة تعبير معقولة في الأسرة يساهم في تعزيز الثقة بالنفس واستقلال الذات وبناء شخصية متزنة قوية عند الطفل تستطيع اتخاذ القرار على مستواه وتحمل المسئوليات، كما أنها تساهم في تنمية المدارك لدى الطفل وتطوير المعارف لديه ما يعطيه الفرصة الحقيقية للمساهمة في عمران الأرض لاحقا..
حرية الرأي منذ نعومة الأظفار أمام الوالدين دون ردع سافر ودون استخدام صواعق الكلمات التوبيخية والنهر المستمر والنبرة الحادة وتكرارها، أمر هام للغاية في بناء شخصية الطفل السليم، والتي تنمي أيضا الثقة المتبادلة مع الوالدين والمحيط، فمن المهم جدا عدم إعابة خيال الطفل وسؤاله مهما كان، لأن ذلك يساعد على تشجيع تصوراته ومن ثم إبداعاته وهو ما يفيد في تبلور المزايا وفضائل التفكير الإيجابية والمشاعر الايجابية ايضا تجاه الذات، ما يعطيهم القدرة على اكتشاف الذات ومواضع قوتها وقدراتها التي تساعد في تحديد الأهداف، فهؤلاء مستعدون أكثر للمضي في تحقيق تلك الأهداف، دون خوف من عقاب يعترضهم ومتحملين أثناء ذلك مسئولياتهم في أي عواقب. أما الزجر المستمر على طريقتنا لا يجدى نفعا..
نعلم الطفل النطق وما أن يحسن ذلك حتى نجبره على السكوت الدائم، وذلك بأفظع وسائل الاخضاع والنهر والتسكيت ومحاصرته في ميدان فكري محدود، فينعزل عن التفاعل مع المحيط وينكفئ عن مواكبة أي نشاط مفيد، فتغلب عليه السطحية بل الإهمال الفكري..
معظم الناجحين يبحثون عن كل المعلومات اللازمة للبدء بمشروع ما قد يدر عليهم الأرباح ؛ لكن ماذا عما هو أهم من كل تلك المشاريع، فهل بحثنا وقرأنا ودرسنا عما يحب فعله في تربية فلذات أكبادنا الذين أصبحوا يتسربون من بين أصابعنا.. لنتعلم أولا أن دورنا لا يجب أن ينحصر في إطعامهم وإلباسهم وإصدار الأوامر والنواهي لهم، منشغلين عنهم تاركين رعايتهم للآخرين، فلنتابع أطفالنا بأنفسنا لنعرف حاجاتهم ونتعرف على متطلباتهم ونلبيها على قاعدة اعط الطفل كل ما يحتاجه ولا تعطه كل ما يطلبه.. لنتعرف على مشاكلهم ونشاركهم في سبل حلها الأجمل، لنتعلم أن نشارك أطفالنا حياتنا ونستشيرهم وخاصة فيما يتعلق بهم، ونعطيهم حرية الاختيار فيما يأكلون ويشربون ويلبسون حتى يتعلموا حسن الاختيار وجمال الذوق، لنمنحهم دورا في نشاطاتنا اليومية للمشاركة وللإحساس بالأهمية.. فمن الجميل مثلا إذا ما أصدفنا محتاجا نعطي طفلنا الصدقة ليعطيها هو بنفسه للمحتاج، ليتعلم فضيلة الصدقة والتكافل.
لنتعلم أن نعلم الطفل لا أن نعنفه ونخوفه ونستغل ضعفه ليكون تحت سيطرتنا نحن من باب السلطوية القاهرة لا التعليمية المفيدة، أو نستغل طفولته في مشاحناتنا وخصاماتنا التي لا تنتهي، ولنتعلم نحن أن الطفل له عالمه وخياله ومزاجه وشخصيته، وكل ما يخصه يختلف تماما عما يخصنا، فهو له عالمه ونحن لنا عالمنا الذي يجب ان نعمل على بناء جسور تواصل وثيقة وآمنة بينهما يمر ونمر بها، لنتعلم نحن الكبار أن نتواصل معهم دون مشوشات وأن نصغي إليهم وأن نمنحهم الوقت الكافي والانتباه اللازم ونحاورهم بايجابية مع احترام ذواتهم وآرائهم وخيالاتهم حتى غير الواقعية بنظرنا، كما يجب أن نعبر عن حبنا لهم ونعلنها بمناسبة ودون مناسبة، وإعطاؤهم أهمية خاصة فهذا يعطيهم الشعور بالاطمئنان، علينا أن نمنح الطفل حرية ممارسة سلوكه علنا كي لا يفعلها خفية..
ناقش طفلك إنه يفهمك جيدا، ويحس بك أيضا قبل أن ترى عيناه النور، إن كثرة الموانع واللأت والزجر يشكل كوم من أحجار العثرة التي يسد بها طريق حرية التعبير بشكل جزئي أو كلي، وهو ما يمثل إعاقة للتواصل السليم فيصبح كل منا يعيش في جزيرته المعزولة.. لنعطي الطفل مساحة واسعة في حرية التعبير وإبداء الرأي، لنلغي الاستبداد في حياتنا ونشاركهم فنصنع منهم شبابا إيجابيا يعمر الأرض.
نجوى الأحمد - الرياض - جامعة الأميرة نورا