د. محمد عبدالله العوين
إذا كانت دولة إسرائيل المغتصِبة تعد جنة «المثليين» والشواذ في العالم؛ حيث حظوا بتأييد نسبة كبيرة من المقترعين على قانون منحهم الحقوق المدنية كاملة من زواج ومساكنة وتبنٍ للأطفال، ووصلت نسبة المؤيدين من جملة الشعب اليهودي 43 % وهي نسبة كبيرة تقترب من نصف عدد السكان؛ فإننا لا نستغرب ذلك من دولة مغتصبة معتدية لا تأبه بأية أخلاق ولا تقيم وزناً لقيم؛ فقد انتهكت حقوق شعب فلسطيني كان يسكن مدناً وقرى ويعيش آمناً مطمئناً؛ فكيف بها لا تنتهك قيم الأسرة وأخلاق العائلة وفضائل العفة والشرف؟!
لكن هذه الدولة المغتصبة الآن لم تحظ بشرف منح المثليين حقوقهم المدنية كما تدعي؛ بل نافسها في هذا الشرف المزعوم عدد كبير من دول العالم؛ كان آخرها أكبر وأقوى دولة في العالم؛ وهي الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أعلن قضاة المحكمة العليا موافقتهم على منح المثليين ما يزعم أنها حقوق مدنية لهم.
المثير للتساؤل وللتعجب أيضا أن وتيرة الانهيار الأخلاقي في العالم تتسارع بطريقة مخيفة جداً، وتدعو إلى القلق على مصير هذا الكون الذي انقلبت فيه المفهومات وانتكست وتمردت على الفطرة الإلهية، فما ندري بعد ما يمكن أن يصيب البشر الذي أباح هذا الفحش بصورة رسمية في 18 دولة من دول العالم من شرور وآثام وأمراض وتفكك وجريمة واستهتار بمقومات بناء الأسرة وافتقاد مفهوم الرجولة والأبوة والأمومة الحقة وتغييب كامل لمعاني الرحمة والمودة والسكن والأمن النفسي الذي لا يمكن أن يتأتى أبداً إلا في دفء الأسرة ومحبة الزوجين وشفقة الأب وحنان الأم الأصليين.
إنه عالم يسير بسرعة اكتشافاته العلمية وانهياره الأخلاقي إلى الهاوية!
لقد بدأ الأمر شاذاً - وهو كذلك إلى اليوم على الرغم من إباحته في دول كبرى عديدة - وكان يمكن أن يظل مفهومه لم يتغير منذ أن أيدته ووافقت عليه أول دولة في العالم ترتكب هذا العهر؛ وهي هولندا في عام 2001م ومنحت الشاذين حقوقهم كاملة كما أدعوا، ثم لحقتها بلجيكا 2003م ثم أسبانيا 2005م ثم كندا ثم جنوب أفريقيا 2006م ثم النرويج والسويد 2009م ثم البرتغال وآيسلندا والأرجنتين والمكسيك 2010م ثم الدانمارك وأورجواي ونيوزيلندا وفرنسا والبرازيل 2013م وأخيرا بريطانيا وآيرلندا 2014م.
ونلحظ هنا أن أكبر عدد من الداعمين للمثليين هم من أوروبا؛ فإذا كانت الدول التي منحتهم حقوقهم 18 دولة؛ فإن 13 دولة منها تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي!
إن خطر زحف الشذوذ الذي هو أعلى مراحل الفحش والفجور إلى دول العالم كافة أصبح خطراً حقيقياً مدعوماً من دول ومنظمات وجمعيات ومؤسسات تنطلق من فكر إلحادي لا يؤمن بالأديان ولا بالرسالات السماوية ولا بالقيم الأخلاقية؛ مما يشكل خطراً على العالم كله، ويؤكد فشل الكنيسة الأوروبية في التصدي لهذا الوباء وعجز مؤسسات التربية والتعليم في كثير من دول العالم عن مواجهة الداعين والمؤيدين والمشجعين على ممارسة الفحشاء؛ مما يعد تدميراً كاملاً لمفهومات التربية التي يتلقاها الطلاب في المدارس ونسفاً لمعاني قيم الأسرة ومقومات بنيتها الأساسية القائمة على مفهوم الأبوة والأمومة.
ما زالت 76 دولة تجرم هذا السلوك المشين، و7 منها تقضي بتطبيق الإعدام على مرتكبيه؛ وهي : المملكة العربية السعودية، وموريتانيا، والسودان، ونيجيريا، والصومال، وإيران، واليمن.
ولا شك أن منطلقات هذه الدول نابعة من قيم الإسلام وعادات المجتمعات العربية والشرقية والإسلامية؛ وهي هنا الحصن الحصين الذي يحمي بناء الأسرة ويحفظ منظومة الأخلاق من الانهيار.
لقد توعد الله سبحانه من يخرج على قوانين الفطرة الإلهية بأشد العذاب؛ وفي قصة قوم لوط الذين صارت مدينتهم البحر الميت عبرة وعظة، وفي قصة مدينة الفحشاء الإيطالية «بومبي» أيضا عظة أخرى؛ إذ تفجر حولها بركان هائل وطمرها وأخفاها عن الوجود 1700 سنة، ثم اكتشفها الأثريون أخيراً؛ لتكون درساً للأمم التي تكرر المسلك الشائن.