يوسف المحيميد
منذ سنوات، والحركات الإسلامية المتطرفة في العالم، تُظهر للناس عموما، أن الإسلام عدو للفنون والإبداع، وكأن هذا الدين العظيم السمح لم تظهر حضارته الرائعة وتنتشر، إلى درجة أنه يندر أن يدلف السائح أي متحف في العالم، دون أن يجد قسماً كاملاً للفن الإسلامي، من رسوم ولوحات تشكيلية ورسوم على الخزف والزجاج وغيرها.
ومنذ مشاهد تكسير التماثيل قبل عقد من السنوات، في أفغانستان، وفي غيرها، وحتى تدمير التماثيل في بلاد الرافدين والشام، ورسالة الإسلام المشوهة التي تصل للعالم، بأن هذا الدين هو دين وحشي، عدو للفنون والثقافة، بينما هو غير ذلك تماماً، ففن العمارة الإسلامية معروف منذ القدم، وفن النحت، والرسم على الخزف والسيراميك والزجاج والفخار، بل حتى الفكرة المغلوطة بأن الفن الإسلامي هو فن ديني، لا يجيز رسم الأرواح، كانت مضللة إلى حد بعيد، فمعظم المقتنيات في المتاحف العالمية، على رأسها اللوفر، تمتلئ بالتحف والقطع الفنية والأدوات والأواني المرسوم عليها حيوانات وبشر وغيرها من ذوات الأرواح المختلفة.
بعيداً عما تفعله الجماعات الإسلامية المتطرفة في الشام والعراق، وما بذله تنظيم داعش من تشويه مقصود لسماحة الإسلام وانفتاحه على العالم، وقدرته خلال عشرة قرون على التمازج مع الثقافات التي انضوت تحت رايته، فإن سقوط مدينة تدمر في أيدي هؤلاء، بكل ما فيها من آثار، وإرث إنساني عظيم، جعلهم لا يتفننون في التدمير والقضاء على التاريخ الإنساني فحسب، وإنما تحويل أحد أبرز المواقع السياحية المعتمدة من قبل اليونسكو، إلى مكان للإعدام، فالمسرح الروماني في المنطقة الأثرية عرضت فيه داعش مسرحية جديدة من إخراجها، وهي تقود عددا من الجنود الذين وقعوا في الأسر، إلى وسط المسرح الروماني، وبحضور عدد من المتفرجين، بالضبط كما لو كانوا يشاهدون مسرحية حقيقية، لكنها بلا عناصر مسرحية فنية، وإنما هي حالة إعدام لمجموعة جنود، يقوم بها فتيان صغار في السن، يلقبونهم بأشبال الخلافة!
لم تكن الرسالة غير واضحة في هذا العرض في المسرح الروماني، بل كانت واضحة جداً، وهي تقول إن هذا المسرح الذي تتفاخرون به، وبتاريخه، وعراقته، منذ الرومان، وهذه الفنون المسرحية التي تحتفون بها، إنما هي مكان فسق وزندقة وكفر وإلحاد، وسنقتل فيه هؤلاء الكفار، وجميع أعداء دولة تنظيم الدولة الإسلامية،
والغريب أن هذا الرفض للفنون، من تشكيل ومسرح وتصوير، يستخدمونه حينما يدعم رسالتهم، فهذا العرض في المسرح، تم تصويره بأحدث التقنيات الغربية، واستخدام فيه فن السيناريو والحوار والتصوير، أي كأنه عرض مسرحي تلفزيوني، لكنه يبث رسالتهم الوحشية تجاه العالم!