فايزة محسن الحربي ">
كنت في مراهقتي أو في عمر الزهور وتحديداً في المرحلة المتوسطة، حيث يقارب عمري خمسة عشر عاماً، أحلم بأن أسمى هدف في حياتي، هو أن أضمد جراح المجاهدين في أفغانستان إلى أن أستشهد وألقى ربي شهيدة، حقيقة كانت هذه الأمنية تسيطر على فكري وتجسد أكبر همومي وأحلامي.
كنت أعيش صراعات في داخلي مع نفسي وأهلي، أريد السلام والإسلام الحق، وكل من حولي يلهون ويمرحون بلا هدف يسمو بأرواحهم لتعانق السماء هذه نظرتي لمن حولي.
طبعا جميع أفراد عائلتي لا ينتمون للتطرف الديني وهم متوسطون دينيا، لكن بعض زميلاتي بالمدرسة وبالحي وصلاة التراويح بمسجدنا تجمعنا والجمعيات الخيرية والاحتفالات التي نجتمع لتنظيمها كانت تسمو بهدفنا من خلال التركيز على مشاعرنا بالأناشيد الإسلامية، وهي تضرب بقوة على أوتار قلوبنا وعقولنا الفارغة في غفلة من الأهل حول ما يحاك حولنا والاطمئنان التام لتواجدنا بين أهل الدين ممن حولنا.
لم أكن أعلم ما هي المنظمات الفكرية (القاعدية أو الداعشية أو حتى التيار الصفوي...) كانوا يرسمون لي أحلامي الكبيرة في ظل فراغي التخطيطي لحياتي ويرسمونها بطموح عالٍ ويلامسون شغفي لحياة أفضل ورغبات جامحة لإثبات الذات بالدنيا والآخرة معاً.
كم كانت الحياة جميلة معهم لشعوري بالتحليق والتسامي، خرجت من هذه الحياة النرجسية -ولله الحمد- دون خسائر، وتوقفت عن أفكارهم مبكرا في السنوات الأولى من شبابي، لكن هم لم يتوقفوا عن تخطيطاتهم وما زالوا يستنزفون عقول شبابنا ويرسمون أحلامهم، وما زالوا يطورون أساليبهم ويطورون استمالاتهم الإقناعية العقلية والعاطفية معاً، بل زادوا على ذلك بتسخير التقنيات الحديثة وأدوات الإعلام الجديدة لمصالحهم التي خدمتهم كثيرا من ناحيتين.. الأولى: لتوصيل أفكارهم وسرعة الوصول للفئات المستهدفة بكل وقت وزمان ومكان مع قوة التقنيات الحديثة، الثانية: اتساع الفجوة بين الشباب والأطفال مع الجهات التربوية من (آباء ومربيين) الذين يفترض أن يكونوا مصادر التربية والتوجيه الأساسية للشباب.
حقيقة التيارات الفكرية الجهادية المتطرفة غرست على مر سنوات طويلة ظاهرة انتحارية يصعب تجاهلها أو حتى التغاضي عنها في أبنائنا وفي مجتمعنا، لذا يلزمنا وقفة حازمة نتطلع فيها لإنشاء مركز إستراتيجي بحثي يناقش هذه الظاهرة بكل أطرافها، ويبحث في أسباب نشأتها وطرق معالجتها والتصدي لها والوقاية منها، ويركز على الفئات الشبابية والتربوية في مرحلة العلاج والتوعية، ولا يغفل نهائياً عن فئة الأطفال بل يعززهم بخطوات وقائية توعوية فكرية تكون حصناً وقائياً لهم من الهجمات الفكرية بكل مسمياتها العقيمة التي تظهر لنا بمسمى جديد كل فترة لكن الأفعال متشابهة.