هاني سالم مسهور
لا يمكن للأمم المتحدة عبر مبعوثها إسماعيل ولد الشيخ أحمد أن يحققوا تقدماً يذكر في الملف اليمني عبر تجربة المجرب الذي أوصل اليمن للفوضى الكاملة، ما بلغه اليمنيون من إفراط واسع في العبثية السياسية كان للأمم المتحدة دور كبير فيه، فالمبعوث الأممي السابق جمال بن عمر كان يتفاوض مع الحوثيين رغماً أنهم أسقطوا العاصمة صنعاء والمدن اليمنية الأخرى ووضعوا الرئيس في إقامة جبرية قبل أن ينجح في الإفلات منهم، كل هذه الفوضى كانت تجري والأمم المتحدة جزء كامل لا يتجزأ منها.
برغم فشل الهدنة الأولى التي استفاد منها الحوثيون ونجحوا من خلالها بتحريك قواعد صواريخهم تجاه الحدود السعودية، كما أنهم نجحوا في الاستحواذ على كل المساعدات الإنسانية التي وصلت لليمن ولم تصل إلى عدن سوى سفينة مساعدات إماراتية واحدة، كل هذا الفشل الذريع وما زال مبعوث الأمم المتحدة يحاول مستميتاً الوصول إلى هدنة جديدة، ولأن الحوثيين غير جادين في إيجاد الحل السياسي فهم يحرصون على صناعة الأفخاخ السياسية التي امتازوا بها على مدار حركتهم السياسية منذ 2004م تحديداً.
لنفهم طبيعة الحوثيين علينا أن نعيد القراءة في إسقاطهم للمدن بداية من دماج وعمران وصنعاء والحديدة وذمار والبيضاء وإب وانتهاءً بإسقاطهم عاصمة محافظة الجوف مدينة الحزم في أيام الهدنة الإنسانية التي منحت لهم فأسقطوا فيها محافظة وحركوا آلياتهم العسكرية واستحوذوا على المساعدات الإنسانية، كل هذا ليس فعلاً عبثياً بل عمل استراتيجي واضح ما زالت تتساقط في أفخاخه الحكومة اليمنية التي لا تريد أن تتعامل بذات القدر من الوعي السياسي الذي يمكن من خلاله تعديل الوضع سياسياً.
نجح الحوثيون من خلال إسماعيل ولد الشيخ أحمد في مؤتمر جنيف على الحصول الكامل بشرعيتهم السياسية وأنهم جزء مفاوض في عملية سياسية تجاوزت فعلياً وبموجب القرار الأممي رقم 2216، وقرارات الجامعة العربية، وإعلان الرياض لتؤطر العمق السياسي الكامل والقائم على المرجعية الرئيسية المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، هذه الأطر السياسية اخترقت من الحوثيين الذي نجحوا في اعتبار أنهم جزء من المشروع السياسي رغماً أنهم كل المشكلة السياسية التي انقلبت على مخرجات الحوار الوطني وأدخلت اليمن في أزمة كبرى تتجاوز حدوده إلى حدود إقليمية واسعة باتت فيه الدول المحيطة به معنية بتخليص اليمن من الأفخاخ الحوثية.
نعود إلى فرصة النجاح التاريخية بالتدخل الخليجي الذي رسم في الرياض التي تدرك أكثر من غيرها كل الخيوط الدقيقة التي يمكن الإمساك بها وإعادة غزل نسيج اليمن السياسي، النجاح السعودي في إبريل 2011م يعتبر اختراقاً سياسياً فريداً يؤكد مقدار القدرة السعودية الدبلوماسية في السيطرة على الملف اليمني نتيجة التراكمات التاريخية الطويلة للسعوديين مع جيرانهم اليمنيين.
فرصة النجاح السعودية ما زالت هي القائمة وهي الأكثر فاعلية في الإطار السياسي، فالسعودية تحرص على عدم اعتبار اليمن ملفاً من ملفات إيران في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة، فتحييد الملف اليمني كان هو الدافع لانطلاق عملية عاصفة الحزم نهاية مارس 2015م، لذلك على الحكومة اليمنية أن تعي قبل أن تقدم تنازلاتها للحوثيين أن السعودية تملك نفساً طويلاً في التعامل مع هذا الملف، كما أن الرياض تعي أن التنازل المهين سياسياً من قبل حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي سيؤدي إلى العودة لما يرغب به الحوثيون وهو الخضوع لاتفاق السلم والشراكة الذي جاء على إثر سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014م.
استعادة الملف اليمني سياسياً للقبضة السعودية هو واحد من الطرق المؤدية إلى إعادة اليمن إلى مساره الطبيعي، فليس من الممكن أن يكون الحوثيون جزءا من العملية السياسية وهم الذين يمارسون العبث السياسي بل إنهم جعلوا اليمن شوكة في خاصرة الجزيرة العربية، وتحول اليمن من الحاضن العروبي القومي إلى الطاعن في العرب ومصالحهم وأمنهم.
يمكن أن تعمل الرياض على تقديم الحل السياسي من خلال سيطرتها على رؤوس الثعابين اليمنية التي وجدت في اليمن أرضاً وإنساناً وثروة فرصة مارست فيها كل الدجل والعبث بمقدرات اليمن، إن عملية «عاصفة الحزم» هي منظومة متكاملة الأركان تقوم على نظام عسكري وسياسي وإنساني ووجود خلل في هذه المنظومة يعني أن فشلاً كاملاً قد يحدث، وهذا ما تقاومه الحركة الحوثية بتوجيه وتعليمات من المخلوع صالح وكذلك من طهران.
الوعي بمقدار المرحلة السياسية هو الأهم، فالتبعات لهذه المرحلة جداً لها أبعادها الواسعة على تاريخ المنطقة، لذا فإن حسم المعركة ميدانياً لا يجب أن يكون وفق تطلعات السياسيين بل وفق ما تقدره القيادة العليا التي تدير عمليات عسكرية واسعة كشفت مدى تورط الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح فيما يتجاوز اليمن بكثير، فمخزونات السلاح تؤكد أن الحوثيين صانعو أفخاخ كبيرة وكاذبون كبار.