د. زيد بن محمد الرماني ">
أجمل ما في كتاب شمس الدين محمد بن طولون الصالحي رحمه الله (دلالة الشكل على كمية الأكل) ما أورده عن مذاهب الناس في الأكل، حيث جعلها في عشرين قسماً، بعضها صحيح واقع، وبعضها تاريخي لم يعد له وجود، وبعضها غريب.
قال ابن طولون رحمه الله، قال شيخنا أبو المحاسن ابن المبرد الحنبلي وقد اختلف الناس في حد الأكل على مذاهب: جدية وهزلية.
المذهب الأول: الوارد عن رسول الله (القيمات يقيم بها الصُّلب).
المذهب الثاني: الشبع حتى تكتفي النفس ولا يقدر على الزيادة.
المذهب الثالث: مذهب الرؤساء والأكابر.
المذهب الرابع: مذهب الأمراء والأجناد.
المذهب الخامس: مذهب الفقهاء.
المذهب السادس: مذهب الصوفية.
المذهب السابع: مذهب الفقراء.
المذهب الثامن: مذهب المغاربة.
المذهب التاسع: مذهب العوام.
المذهب العاشر: مذهب البخل.
المذهب الحادي عشر: مذهب الطفيليين.
المذهب الثاني عشر: مذهب الأعراب.
المذهب الثالث عشر: مذهب المنتجعين.
المذهب الرابع عشر: مذهب الحشائين.
المذهب الخامس عشر: مذهب المشائين.
المذهب السادس عشر: مذهب الشرهين.
المذهب السابع عشر: مذهب المسرفين.
المذهب الثامن عشر: مذهب البطرانين.
المذهب التاسع عشر: مذهب اليساريين.
المذهب العشرون: مذهب الجزارين.
وتجدر الإشارة إلى أن الأكل الكثير يكون من أمور:
1) احتراق وشدة حرارة مزاج.
2) صحة معدة وحسن هضم.
3) اتساع محل وموضع الغذاء.
4) ترك التسمية على الطعام والشراب.
5) تقدّم جوع، فإن من تجوع يأكل.
6) تقدم مرض، فإنه يحصل للبدن فيه خلو من الأكل، فإذا عوفي أكل.
ولاشك أن كثرة الأكل تورث التخم والريح الغليظة في البدن، ولاسيما في المعدة والأعضاء الباطنة، وتورث السُّدد وتحدث السمن والترهل وكثرة البلغم والكسل والنوم والبلادة.
جاء في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، قيل لبعضهم ما حدُّ الشبع؟ قال: أن يُحشى حتى يُخشى.
وقديماً قيل: مَنْ أكل كثيراً شرب كثيراً، ومن شرب كثيراً نام كثيراً، ومَنْ نام كثيراً فاته خيرٌ كثير.
وفي كتاب (الاكتساب في الرزق المستطاب) لمحمد الحسن الشيباني رحمه الله تفصيل وبيان حيث قال ابن الحسن رحمه الله: ثم السرف في الطعام أنواع، فمن ذلك الأكل فوق الشبع، لقوله عليه الصلاة والسلام (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، فإن كان لابد فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)، وقال عليه السلام: (يكفي ابن آدم لقيمات يُقمن صُلبه)، ولا منفعة في الأكل فوق الشبع، بل فيه مضرة، فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة أو شراً منه. ولأن ما يزيد على مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره، فهو في تناوله جان على حق الغير، وذلك حرام . ولأن الأكل فوق الشبع ربما يُمرضه، فيكون ذلك كجراحته نفسه. إلا أن بعض المتأخرين رحمهم الله استثنى من ذلك حالة إذا كان له غرض صحيح إلى الأكل فوق الشبع، فحيئذ لا بأس بذلك، بأن يأتيه ضيفه يخجل، وكذا إذا أراد أن يصوم من الغد، فلا بأس بأن يتناول بالليل فوق الشبع ليتقوى على الصوم بالنهار.
ولذا قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: وما جاء في كراهة الشبع فمحمولٌ على المداومة عليه، لأنه يقسي القلب، وينسي أمر المحتاجين.
وما أحرى كل مسلم ومسلمة أن يتبع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بالتسمية قبل الأكل والأكل باليمين والأكل مما يلي الآكل ولعق الأصابع للبركة والأكل بثلاث أصابع ولعق القصعة وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح الأذى عنها وأن يكون الأكل ثلاثاً ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للتنفس. كما صح عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام : (فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
وقد قال بعض الأطباء: إن الناس لو عملوا بهذا الحديث لم يسقم أحد!!.