د. محمد عبدالعزيز الصالح
هاتفني أحد الأصدقاء من رجال الأعمال متذمراً كيف أن الجامعة لم تقبل ابنه على الرغم من حصوله على الترتيب الأول بتقدير ممتاز وتحقيقه لنسبة 100% في نتيجة الثانوية العامة، وبصراحة، فإنني استغربت كيف يحقق ابنه نسبة 100% والترتيب الأول ولا تقبله الجامعة, وعندما سألته عن الدرجة التي حققها ابنه في اختبار التحصيل, فاجأني بأنه لم يحقق سوى 61% وأقل منها في اختبار القدرات !!! ،عندها عرفت سبب عدم قبول ابنه (النابغة) في الجامعة.
من الأهمية، التأكيد بأن مضمون الاختبار التحصيلي مشابه إلى حد كبير بما درسه الطلبة في مرحلة الثانوية العامة, كما أن الاختبار التحصيلي هو في المواد التي درسها الطالب في الثانوية (رياضيات, كيمياء, فيزياء, أحياء), فإذا كان الأمر كذلك, فلماذا يحقق الكثير من خريجي الثانوية نسبة عالية في الثانوية تتراوح بين (95% و100%) في حين لا يستطيع تحقيق أكثر من 60% في اختبارات التحصيل والقدرات!!!!, وبالتالي لا يستطيع الالتحاق بالجامعة أو التخصص الذي يرغبه.
الحقيقة المرة أن نسبة كبيرة من خريجي وخريجات الثانويات الأهلية حاصلون على نسبة أكثر من 95% على الرغم من عدم استحقاقهم لذلك، فهل يعقل أن عشرات الطلبة في مدرسة ثانوية واحدة قد حصلوا على العلامة الكاملة (100%) فيما حصل البقية على 98% و99%، وعندما يتقدم أصحاب تلك الدرجات العالية (المزيفة) لاختبارات التحصيل التي يعقدها المركز الوطني تنكشف الأمور، وتتضح الحقيقة المرة، والمتمثلة في أن تلك المدارس قد استنزفت عشرات الألوف من الريالات من التجار وأصحاب الجاه في البلد لا ليعلموا أبناءهم وبناتهم، وإنما ليمنحوهم تلك الدرجات العالية المزيفة، والتي ألحقت الضرر الكبير بمستقبلهم العلمي حيث إن تلك الدرجات لا تعكس مطلقاً مستواهم العلمي الحقيقي.
ومن أجل التصدي لتلك الممارسات الخاطئة، كان لابد من وجود مركز بمثل المركز الوطني للقياس والتقويم، وكان لا بد من وجود امتحانات عادلة يمكن من خلالها الوقوف على القدرات الذهنية والمستوى العلمي الحقيقي للطالب أو الطالبة والتي يمكن من خلالها قياس مدى تحصيلهم العلمي الفعلي خلال المرحلة الثانوية. وفي ضوء نتائج تلك الاختبارات العادلة، يمكن توجيه الطالب للجامعة أو للتخصص أو الكلية المناسبة لإمكاناته وقدراته.
أتمنى من بعض الأغنياء وأصحاب الجاه التوقف عن التذمر من عدم التحاق أبنائهم بالجامعة أو التخصص الذي يرغبون فيه، عليهم أن يختاروا المدرسة الثانوية ذات المستوى المتميز التي سيدرس فيها أبناؤهم وبناتهم وذلك من خلال قائمة المدارس المتميزة التي يعلن عنها المركز سنوياً وذلك بناءً على متوسط أداء طلابها في اختبارات القدرات والتحصيل خلال الثلاث سنوات الماضية، فمثل تلك المدارس هي التي تركز على التحصيل العلمي السليم للطلبة وليس على منح درجات عالية مزيفة مقابل حفنة من الريالات.
ومن خلال هذه الزاوية, أتوجه بتساؤلي للمسؤولين في إدارة التعليم الأهلي بوزارة التعليم, كيف يسمح لبعض المدارس الثانوية الإساءة للتعليم من خلال تقديم هذا المستوى المتواضع؟ وكيف يتم تمكين تلك المدارس من خداع الطلبة والطالبات وذويهم بمنحهم العلامة الكاملة طالما أن تلك العلامة لا تعكس المستوى العلمي الحقيقي لهم.؟
نتمنى من وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل معالجه هذا الموضوع الهام بكل حزم , وعدم التردد في إقفال المدارس الأهلية التي تغشنا من خلال منح الدرجات والنسب العالية والمبالغ فيها طالما أن تلك النسب لا تعكس المستوى العلمي الحقيقي للطلبة والطالبات المتخرجين منها.
للمعلومية:
أول من طالب بإقرار اختبارات القدرات والتحصيلي على خريجي الثانوية العامة وقبل التحاقهم بالجامعات لم يكن من الجامعات،كما انه ليس من منسوبي التعليم العالي، وانما هو معالي وزير التربية والتعليم الأسبق الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد (رحمه الله), وكان ذلك خلال أحد اجتماعات مجلس التعليم العالي عام 1424هـ, حيث طالب المجلس بالسرعة في تطبيق هذه الاختبارات،وقد ذكر للمجلس عدم قناعة معاليه بعدالة اختبارات الثانوية العامة في بعض المدارس الثانوية وعلى الأخص بعض المدارس الأهلية.
كما أوضح معاليه بأن وزارة التربية و التعليم (في ذلك الوقت) ستقوم بمعالجة ذلك مؤكداً بأن تلك المعالجة ستستغرق عددا من السنوات, ولكن إذا علمنا بأنه قد مضى على هذا الحديث لمعاليه (رحمه الله) حوالي 12سنة, فهل يعقل بأن مصداقية وعدالة اختبارات الثانوية العامة حالياً في بعض المدارس الأ هلية أصبحت أسوأ مما كانت عليه في ذلك الوقت!!!!