هناك علاقة وثيقة بين المشيقح والكتب وفوزان السابق كما يرويها معالي الشيخ محمد العبودي، ومن الجدير بالذكر أن الشيخ فوزان السابق معتمد المملكة في مصر، ومن طلبة العلم الكرماء والوجهاء، ترجم له الزركلي في الأعلام ترجمة حافلة.
إن الشيخ فوزان السابق شخصية متعددة المواهب كما أنه من كبار عقيل، وقد أقام في مصر، فكان شخصية مهمة لذلك عيَّنه الملك عبد العزيز في أول حكمه معتمداً له في مصر فصار اسمه معتمد المملكة النجدية، ثم صارت بعد ذلك (حكومة الحجاز ونجد وملاحقاتها) فعيّن الشيخ فوزان السابق معتمداً له في مصر، وعيّن سليمان بن علي المشيقح معتمداً له في الشام.. وقد استمر الشيخ فوزان السابق في ذلك حتى أصبحت البلاد (المملكة العربية السعودية) فصار سفير المملكة العربية السعودية إلى أن أسن وتوفي عام 1373هـ.. وقد جمع مكتبة لا بأس بها، أذكر مما يتعلق بها أنه عندما رأى شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد - رحمه الله وجزاه الله عنا خيراً - بأن يزور المبنى المتخذ في شرقي جامع بريدة بالكتب، وذلك في عام 1364هـ ليكون أول مكتبة عامة في بريدة عهد إليّ بذلك وسمي وظيفتي (قيم مكتبة الجامع وأعطاني على ذلك راتباً مجزياً في ذلك الوقت مضحكاً في الوقت الراهن.. فصرنا نجمع لها الكتب من الذين عندهم كتب يمكن أن يسهموا بها في بريدة فأعطانا (العجاجي) مقداراً جيداً من الكتب وأعطانا آل رواف كتباً قيمة فيها بعض المخطوطات.. وكان الشيخ فوزان السابق قد جعل (المشيقح) وهو الوجيه الثري المعروف عبد العزيز بن حمود المشيقح وأبناؤه وكلاء على كل ما له في بريدة من مال أو عقار يتصرفون فيه بما تقتضيه المصلحة، فذهبت إلى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المشيقح كبير أسرة المشيقح بعد أبيه وهو الزعيم الداهية المعروف وطلبت منه أن يعطينا مكتبة الشيخ فوزان السابق لنضمها إلى مكتبة جامع بريدة.. فقال لي: أنت يا أخ محمد - وكان عمري آنذاك - تسع عشرة سنة، تعرف أننا ما نقدر نتصرف بها، وهي أمانة للشيخ فوزان عندنا مثل سائر ممتلكاته، لكن إذا كتبتم إليه وسألنا وهو في الغالب سيسألنا، وإذا سألنا ذكرنا أن المصلحة تقتضي وضعها في مكتبة الجامع لينتفع منها طلبة العلم.. فعرضت الأمر على شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد ورجوته أن يكتب كتاباً للشيخ فوزان السابق وهو سفير المملكة في مصر آنذاك، فأمرني أن أعد الكتاب، ووقّعه الشيخ وأرسله للشيخ فوزان إلى مصر، وجاء الأمر من الشيخ فوزان بالموافقة على ضمها إلى مكتبة بريدة، وكانت أكبر مكتبة خاصة ضمت لتلك المكتبة (مكتبة جامع بريدة) التي هي مكتبة عامة.. وقد غلط الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام فيما يتعلق بمكتبة الشيخ فوزان إذ قال: وله متبة من أكبر المكتبات في بريدة، فقد طلب منه العلامة الشيخ عمر بن سليم أن يضعها في جامع بريدة، فوافق على ذلك، وقد وضعت هي ومكتبة الشيخ عيسى بن رميح في مبنى أعده الشيخ عمر بن سليم في شرق جامع بريدة، وكلف الشيخ عمر رحمه الله، الشيخ عبد العزيز العجاجي، بالإشراف على المكتبة، وهي أول مكتبة أسست في بريدة، وهي الأساس للمكتبة السعودية القائمة الآن، التي طوّرها فيما بعد الشيخ عبد الله بن حميد.. ثم ضمت للمعارف بعد سفر الشيخ عبد الله بن حميد من بريدة، وكان الشيخ عمر بن سليم - رحمه الله - قد قرر تطويرها، وأن يضع فيها كتب طلبة العلم، الذين يتوفون فيما بعد، وأن يزودها بما يطبع من كتب العلم، وما يحصل عليه من المخطوطات النادرة.. والصحيح أن الشيخ عمر بن سليم - رحمه الله - هو الذي بنى مكتبة في الركن الشمالي الشرقي من جامع بريدة عندما هدم جامع بريدة في عام 1359هـ وهو الذي كان مبنياً من الطين والحجارة، بالنسبة إلى العمد التي يقوم عليها سقفه، وإلى أساساته، وكان هدم الجامع لخلل فيه، وتعرضه للسقوط بناء على ما قررته لجنة من (الستودية) - وهم معلمو البناء بالطين - فرفع الشيخ عمر بن سليم الأمر إلى الملك عبد العزيز يطلب فيه أن يأمر الملك بهدم المسجد الجامع وإعادة بنائه على نفقته، وقد وافق الملك عبد العزيز وأرسل للشيخ عمر بن سليم مبلغاً من المال.. وعهد الشيخ عمر إلى (الستاد) علي بن محمد الحامد بأن يكون (إستاد) بناء الجامع فبدأ بذلك في عام 1359هـ وكنت أعي ذلك تماماً إذ كان عمري آنذاك 14 سنة، فكان والدي أخذني إلى رؤية بداية إعادة بناء المسجد، وقد أمر الشيخ عمر بن سليم بإنشاء مكتبة في الطابق الثاني من رواق المسجد الشرقي الذي يلي بيته، أي بيت الشيخ عمر بن سليم ليس بينهما إلا زقاق معتاد، وهدف الشيخ عمر بن سليم أن يضع فيها أولاً الكتب الموقوفة على طلبة العلم من أهل بريدة إذ كان فريق من أهل بريدة يشترون الكتب على غلاء ثمنها، وندرة من يملكونها ويوقفونها على طلبة العلم من أهل بريدة، وأحياناً يوقف الكتاب على طالب علم معين أو شيخ معروف في وقته فيتوفى الموقوف عليه، ويبقى الكتاب عند ذريته وإذا فرض أن القاضي أو ولي الأمر أو ورثة الموقوف أخذوه منهم، فإنه لا يوجد مكان عام يوضع فيه، وينتفع منه الجميع.. لذلك جاءت تلك الفكرة المفيدة في ذهن الشيخ عمر بن سليم - رحمه الله - ونفذها ببناء المكتبة التي هي قاعة كبيرة نسبيً، ولكنه عندما انتهت عمارة الجامع في عمارة 1361هـ مرض وألح عليه المرض حتى توفي في آخر عام 1362هـ وبقيت المكتبة، أو على الأدق مكانها أو لنقل: إن مبناها مهجور لو يوضع فيه كتاب واحد، ولا يفتح مطلقاً لأنه ليس فيه شيء. وعندما عين شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد على قضاء بريدة في النصف الأخير من عام 1363هـ طرح موضوع إكمال مشروع المكتبة التي بناها الشيخ عمر بن سليم، ولم يوضع فيها كتب وكان من الذين ذكروا ذلك للشيخ عبد الله بن حميد صديقنا وزميلنا الحبيب علي بن عبد العزيز العجاجي - رحمه الله -.. فكان أن كتب الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد كتاباً للملك عبد العزيز يخبره بموضوع المكتبة ويطلب منه أن يتفضل بتخصيص مبلغ سنوي للمكتبة لكي ينتفع بها طلبة العلم.. وقد وافق الملك عبد العزيز على تخصيص ثلاثة آلاف ريال (فرانسه).. فكانت بداية النشاط العملي لتلك المكتبة، وعينني الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في المكتبة باسم ( قيم مكتبة جامع بريدة) استهداء بالتسميات التي كان سار عليها علماء الحنابلة وغيرهم، ومن هنا كانت بداية (مكتبة جامع بريدة)، وهذا شيء عرفته وعايشته.. وبذلك يتضح أن ما ذكره الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام عن الشيخ عمر بن سليم من أنه طلب من فوزان السابق أن يضع مكتبته التي هي من أكبر المكتبات في بريدة غير صحيح إلا إذا كان الشيخ عمر قد طلب من الشيخ فوزان ذلك مجرد طلب لم ينفذ، ولم نعلم به.. وأما مكتبة الشيخ فوزان السابق التي قد يتوهم بعضهم إنها في مقر خاص بها، فإنها لم توجد قط كما يعرف في المكتبة، وإنما كان الشيخ فوزان السابق له مال وكتب وغيرها، وقد وكّل آل مشيقح على جميع ماله في بريدة فكانوا يحفظونه ويتصرفون فيه لمصلحته حسبما اتفقوا معه عليه.. وعندما عيّنني الشيخ عبد الله بن حميد في مكتبة الجامع عام 1364هـ.. وعرفنا أن للشيخ فوزان السابق كتباً موجودة عند آل مشيقح لأنهم كانوا وكلاءه، فذهبت للشيخ عبد الله بن عبد العزيز المشيقح وهو من كبار الجماعة آنذاك، وطالب علم حافظ للقرآن، وقلت له بحماسة الشباب: يا أبا سليمان يذكرون أنكم عندكم كتب لفوزان السابق، والآن فتحت مكتبة في الجامع فلعلكم تحتسبون وتحطونها في المكتبة.. فقال وهو طالب علم: تعرف - يا أخ محمد - إن هذه الكتب ليست لنا وإنما هي للشيخ فوزان السابق، ولا يجوز أن نتصرف فيها مثل هذا التصرف إلا بأمره، فإذا كان الشيخ عبد الله بنميد يرى هالرأي - فقاطعته قائلاً: نعم، الشيخ عبد الله يرى ذلك - قال : يكتب الشيخ عبد الله بن حميد كتاباً للشيخ فوزان السابق ويطلب فيه أن يخبرنا أننا نعطي كتبه لمكتبة الجامع.. فأخبرت شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد بذلك فوافق عليه وطلب مني أن أعد كتاباً للشيخ فوزان السابق، وأرسله إليه في مصر، فجاءت الموافقة من الشيخ فوزان السابق على ذلك، وضمت كتبه إلى مكتبة الجامع.. وقد ذكرت ذلك في كتاب (يوميات نجدي) تاريخ هذه الواقعة.
نقله واختصره/ د. عبد الرحمن بن عبد الله المشيقح - عضو مجلس الشورى السابق