رقية الهويريني
على مدى أحد عشر عاماً كان صاحب برنامج (خواطر) أحمد الشقيري ينحت في صخر التغيير الإيجابي منتهجاً إحدى مراتب الدين الإسلامي وهو «الإحسان» الذي يعني بأبسط مفهوم له « إتقان العمل ليصبح على أكمل وجه، وكأن مؤديه خبير بهذا العمل وماهر وحاذق».
والحق أن الأستاذ أحمد حرص على تأصيل هذه المرتبة السامية من الدين، وقد استعرض طرق ومسالك معظم الدول المتقدمة حكومةً وشعباً وكيفية التعاطي مع شؤون حياتها برقي وحضارة وإحسان، وكان قبل نهاية كل حلقة يشير إلى أن ديننا الحنيف حث على الارتقاء بالإنسان والحفاظ على كرامته حينما جعل الإحسان محيطاً بالحياة كلها؛ سواء في علاقات الشخص بربه أو بأسرته والمجتمع، بل وعلاقته بالبشرية عامة، وحتى بقية المخلوقات والكائنات الحية وغير الحية!! فكل قوانين التعامل ترجع إلى الإحسان المشتق من الحُسن الذي هو الجمال والبهاء لكل ما يصدر عن الإنسان من خواطر ونبرات وسلوك وتصرفات ومعاملات، وهو مقام إنساني رفيع ومفتاح سحري لكل أزمات البشرية وجسر السعادة الأبدي.
ولئن كان الأستاذ أحمد قرر إيقاف البرنامج فربما انتابه شعور أنه أدى ما يراه مسؤولاً عنه أمام مجتمعه، واستنفد ما هو مطلوب منه كأحد رموز الإعلام الذي ينبغي أن يضطلع به كل واحد يرى الإعلام همّاً ورسالة. لذا فإنه لا ينكر جهده إلا جاحد، ولا يتجاهل عمله إلا حاسد، حيث سعى لنشر ثقافة الإحسان النقية الرامية لتحسين سلوكيات الناس من خلال عرض أفضل الأخلاقيات لدى بعض الشعوب المتقدمة بعيداً عن فرض الوصاية، فضلاً أنه تجنب الحديث عن الأمور الطائفية والسياسية وما ينتج عنهما من جدل.
ولعل الشقيري ناله الإحباط بسبب المفارقة بين بذل جهده المضني والتدهور الذي تعيشه البلاد العربية والإسلامية، عدا عما قابله من نقد وتجريح ممن يرفضون التطوير والتجديد، إما خوفاً من المستقبل أو تمسكاً بالموروث! وهؤلاء عادة تسكنهم ثقافة الخنوع والاستكانة. وكان الكثير يشعرون بالقهر ويبدون قلة حيلتهم أمام أفكاره النيّرة حينما لمسوا ارتفاع سقف الطموح لديه وتطلعاته للارتقاء ببلده إلى مصاف الدول المتقدمة، فصاروا يطالبونه بالتوجه للمسؤولين بحكم أن مسؤولية النهضة والتطور ليست بيد الشعوب، ولكنها تتطلب قرارات سيادية حازمة.
ولئن لم يحقق الشقيري طموحاته الواسعة على أرض الواقع؛ فحسبه أن نال احترام الناس وتقديرهم لجهده وإحساسهم بحرقة قلبه على الشعب العربي الذي تقاعس عن تطبيق الإحسان المنشود!