محمد آل الشيخ
التنظيم الداعشي الإرهابي -كما جاء في بيان وزارة الداخلية الأخير- كان يجند الصبية الانتحاريين من خلال الإنترنت، وتحديد مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها يلج إلى أذهان هؤلاء السذج فيغرر بهم، باسم الإسلام والجهاد، ويعدهم بالجنة، ونعيمها، إذا هم قتلوا أنفسهم، وقتلوا معهم غيرهم. ورغم سذاجة الدعوة وافتقارها إلى الأدلة الشرعية الموثقة إلا أنهم استطاعوا فعلاً أن يجندوا هذا العدد الكبير -(431 داعشيا)- من الموقوفين في الخلايا الإرهابية التي أطيح بها مؤخراً؛ ويقال إن هناك أعداداً أخرى تم إيقافها ويجري التحقيق معها وسيتم الإعلان عنها حين اكتمال التحقيق.
هناك مثل شعبي يقول (باب يجيك منه ريح سده واستريح). وسد هذا الباب يتطلب أن نكون أكثر حزماً ونحجب هذه المواقع الإلكترونية حجباً متقناً، واستبدالها بمواقع تواصل إلكترونية (سعودية) يمكن تتبعها ورقابتها، ويشعر (المتلقي) و من يغرر به، أنهم تحت الأضواء، ويمكن الوصول إليهما، طالما أن مواقع التواصل الاجتماعي الحالية دولية، ولا سلطة لنا عليها، وتعتبر (السرية) قضية مبدئية لديهم، فلا يتعاونون مع الأجهزة الأمنية لحصار هذه الظاهرة ومنع استغلالها في هذه الجرائم، التي أصبحت وسيلة من وسائل الإرهاب الفكري، واستقطاب كوادر الإجرام، كما هي أهداف تنظيم داعش الإرهابي؛ وليس أدل على ذلك من استهداف المساجد وهدمها على رؤوس المصلين.
يبررو: (هذا فيه مساس بحرية الأفراد وخصوصيلتهم) كما هو خطاب مؤسسات حقوق الإنسان في الغرب، أقول: فليكن، فلا أريد حرية، ولا خصوصية، إذا كان من شأن هذه الحرية أن تكلفني حياتي، أو أن تكون وسيلة يستغلها شذاذ الآفاق لهز امن واستقرار الشعوب من خلال التغرير يمرضاهم النفسيين كما هو نهج داعش.
وما يثيرني ويستفزني أن من يُصدّرون إلينا هذه القيم التي يقولون أنها (مدنية)، لا تمس ولا تنتهك، هم أول من ينتهكونها، إذا كان الأمر يمس أمنهم واستقرارهم. فلم يعد سراً أن أجهزة مكافحة الإرهاب في أمريكا وبقية الدول الغربية عموماً يضربون بالسرية والخصوصية عرض الحائط، إذا وجدوا أنها تمس أمنهم واستقرارهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا مجال لإنكارها، فلماذا يبيعون علينا هذه القيم والمبادئ في حين أنهم لا يعبأون بها إذا كان من شأنها زعزعة أمنهم؟.
ثم أن هناك رأياً لا يمكن تجاوزه هنا مؤداه أن داعش هي من حيث المنطلق صناعة غربية، وأمريكية تحديداً، أنشأتها أجهزة المخابرات الأمريكية، باستخدام أدوات ومفاهيم صحوية متأسلمة، هدفها أن تأجج نبران (الطائفية) بين مذاهب المسلمين، وينشغلون بأنفسهم، وبالحروب فيما بينهم، عن استهدافهم (كأعداء) كما هي ممارسات (القاعدة)؛ وهذا رأي لا يمكن تسفيهه، وعدم الاكتراث به، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار تسليم أمريكا العراق قبل انسحابها منه إلى عملاء إيران الطائفيين الشيعة، ومن ثم ظهور (داعش) الطائفية السنية، واستيلائها على مدينة الموصل وأجزاء كبرى من العراق، وكذلك أجزاء أخرى من سوريا، وإصرار هذا التنظيم على إثارة الطائفية كقضية (جهادية) أولى من جهاد الغرب، والتعامل اللين وغير الجاد مع داعش من قبل أمريكا؛ وإلا فهل يعقل أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يعجز عن سحق هؤلاء المحاربين الهواة؟ .. ثم لماذا تترك أمريكا دولة مثل (تركيا) بغض الطرف عمن يلتحقون بداعش من خلال أراضيها؟.. أمريكا لو أرادت، ضغطت على تركيا لمنع المجاهدين من الالتحاق بهذه المنظمة الإرهابية من خلال أراضيها، الأمر الذي يُثير الشكوك بأن (داعش) تؤدي دوراً تم رسمه بعناية لصرف أنظار الإرهابيين عن الغرب، وإشغالهم بأنفسهم.
لذلك فإن الغرب حينما ينافح بضراوة عن وسائل داعش التجنيدية، برفعه شعار (إلا حجب مواقع التواصل الاجتماعي)، فهو في رأيي يُرسخ مشروعه للدفاع عن أمنه واستقراره. ومهما يكن الأمر، فإن حجب مواقع التواصل الاجتماعي، واستبدالها بموقع تواصل محلية، سينأى ببلدنا عن داعش، سواء كانت صناعة أمريكية كما يرى البعض أو هي صناعة صحوية متأسلمة كما يرى آخرون، فالنتيجة في المحصلة واحدة.
إلى اللقاء،،،