م. خالد إبراهيم الحجي
إن نجاح أيدلوجية داعش المتطرفة التي جذبت آلاف الشباب البريطانيين خلال الشهور الماضية للانضمام إلى داعش في الشرق الأوسط دفعت رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لوضع خطة مدتها خمس سنوات لمقاومة رسالة داعش المتطرفة وجاذبيتها، وحسب آخر إحصائية من الحكومة البريطانية
يوجد أكثر من 2000 محارب بريطاني انضموا إلى داعش في العراق وسوريا، مما دعا كاميرون لتوجيه خطاب إلى الشعب البريطاني من مدينة برمنجهام البريطانية عن انتشار الفكر الداعشي المتنامي في بريطانيا حيث قال: إن الشباب المسلم اليوم في بريطانيا ينجذب نحو الفكر الإسلامي المتطرف على غرار الطريقة التي كان الشباب الألماني ينجذب بها إلى مبادئ النازية خلال القرن العشرين، وقال إن الأيدلوجيات المتطرفة للفكر الإسلامي ترتكز على نفس الأفكار الفاشية غير المتسامحة مثل (العزل والإقصاء والتشيع والطائفية والتمييز العنصري) التي ساهمت في صعود هتلر، وتلك الأفكار لا تزال باقية في عقيدة اليمين البريطاني المتطرف. كما أكد ديفيد كاميرون أنه يرفض الآراء التي تقول إن السياسة الغربية الخارجية ساهمت في صعود داعش وانتشار شعبيتها بين المجتمعات الإسلامية في العالم الغربي مبرراً ذلك الرفض بأن الفكر الإسلامي المتطرف كان موجوداً قبل حرب العراق بمدة طويلة، ومثل أي عقيدة متطرفة تبدو عقيدة داعش منشطة ومحفزة ومثيرة للحماس وخاصة للشباب عندما يشاهدون مقاطع الفيديو التي تمدح وتمجد تنظيم داعش كدولة إسلامية رائدة تتمدد وتتسع على الأرض، وتصنع من القاتلين والإرهابيين مشاهير ونجوماً على وسائل الاعلام الحديثة، كما يرى كاميرون أن أصحاب الفكر الإسلامي المتطرف وأنصارهم تغلبوا على أصوات أصحاب الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل في الحوارات والنقاشات بين المسلمين، وتغلبوا على وجه الخصوص على أولئك الذين يحاربون الفكر الإسلامي المتطرف ويحاولون إصلاحه.
وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني في خطابه المذكور عن خطة جديدة تهدف إلى تعزيز دمج وتوحيد طبقات المجتمع البريطاني للأسر المضطربة، وذلك يشمل معالجة القضايا المتصلة بالبطالة واللغة وصعوبة الاندماج، ومراجعة الدروس المستفادة من الأخطاء السابقة عندما كان التمويل الحكومي يُسلم بكل بساطة وسهولة إلى مشايخ نصَّبوا أنفسهم قادة للمجتمع، واستخدموا المال بطريقة تشعل الانقسام في المجتمع.
وقال كاميرون إن الحكومة البريطانية مصممة على أن تعطي مكافحة الفكر الإسلامي المتطرف في بريطانيا أولوية رئيسية خلال الخمس سنوات القادمة مع إستراتيجية شاملة لا تقتصر على استخدام القانون الجنائي والقوى الأمنية فحسب، وإنما تعتمد أيضاً على (التدخلات الناعمة بالسياسة والحوار) لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وتابع كاميرون بقوله: كان لدينا شباب وشابات يعبرون دائماً عن حنقهم وغضبهم على مختلف القضايا الوطنية بما يسمى الاحتجاجات الثورية، بينما نجد أن تنظيمٍ داعش قضية شيطانية عقيمة ومتناقضة، ولكن يجب أن نعترف بأنه اليوم أصبح فعالاً وقوياً، لأنه أخذ قدراً من التصديق. لذلك عندما تكون صبياً غاضباً على المجتمع من حولك، أو صبيةً حانقةً تبحث عن هويةٍ تحتاج لشيءٍ معين تؤمن به أو تعتقده، وهناك أشياء كثيرة على الإنترنت تثير الشك والجدل مسكوت عنها ويوجد جزء منها في المجتمع المحلي، عندها ستحتاج إلى أقل من وثبة لتتحول من مراهق بريطاني إلى محارب في داعش أو زوجة شهيد مزعوم في داعش، وذلك أيسر بكثير جداً من المراهق الطبيعي الذي لم يتعرض للمسكوت عنه على الإنترنت، أو لا يتعرض لذلك الجزء في المجتمع المحلي الذي يعيش فيه ويتغاضى عن الفكر الإسلامي المتطرف، وقال كاميرون إن تنظيماً مثل تنظيم داعش عندما يسعى لحشد الشباب البريطاني إلى قضيته المسمومة يعرض عليهم الشعور بالانتماء الذي يفتقدونه في وطنهم، وأضاف كاميرون إن الفكر الداعشي هو عبارة عن أيدلوجية إرهاب وحشية تسعى في النهاية إلى تدمير الأمم لتخترع عالمها البربري الهمجي.
وخطة كاميرون الخمسية لمواجهة الفكر الداعشي في بريطانيا التي أطلق عليها اسم (نضال الجيل الحالي) تعتمد على أربع ركائز:
الأولى: هي مواجهة الأيدلوجية الداعشية وخلالها سيتم الاستعانة بأشخاص يفهمون طبيعة الحياة داخل تنظيم داعش يوضحون للشباب القابلين للاستدراج الواقع الوحشي لأيدولوجية الفكر الداعشي، مع مطالبة شركات الإنترنت بتقديم الكثير من الفكر الوسطي المعتدل لمكافحة الفكر المتطرف ومحاربته على الإنترنت.
الركيزة الثانية: معالجة العنف والتعاطف معه (اللاعنف): قال كاميرون إن الخطة المطروحة ستتخذ خطواتٍ لمواجهة الجماعات والمؤسسات التي ربما لا تتبنى العنف ولكنها تتعاطف مع التطرف والإرهاب، وتعهد كاميرون في خطته بمكافحة الدعاة وزعماء الطوائف الدينية الذين يروجون للآراء المتطرفة، كما تعهد بتقوية هيئة مراقبة الإعلام الأجنبي ومنحها الصلاحيات لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد القنوات التي تستضيف دعاة الكراهية والتطرف.
الركيزة الثالثة: تشجيع وتجريء المجتمع المسلم، حيث تعهد كاميرون بتوفير منصات لدعاة الوسطية والاعتدال والإصلاح وحثهم وتشجيعهم على التحدث وتفنيد الفكر المتطرف وإبطاله، فقال رئيس الوزراء كاميرون في هذا الصدد: إذا كنت تريد أن تحمي أبناءك وبناتك فنحن معك سندعمك بمساعداتٍ عملية تشمل التمويل والحماية والحملات والتمثيل السياسي، كما وعد كاميرون بتأسيس منتدى للمشاركة المجتمعية للاستماع مباشرة لهؤلاء الذين يقفون في وجه التطرف ويحاربونه.
الركيزة الرابعة: بناء مجتمع أكثر تماسكاً، قال كاميرون: إنه يجب الابتعاد عن الفصل والعزل والتمييز العنصري في المدارس والمؤسسات والمجتمع وبذل الكثير لزيادة الدمج وتوحيد طبقات المجتمع، ولا أقصد بذلك اقتلاع الناس من منازلهم أو تغيير مدارس أبنائهم، وإنما أقصد إلقاء نظرة جديدة على شكل المستقبل المشترك الذي نريده لشبابنا.
هذا وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي غضب كثير من البريطانيين على كاميرون جراء تحميل المجتمع المسلم في بريطانيا في خطابه مسؤولية انضمام الشباب البريطاني إلى داعش في الشرق الأوسط، وعلق كاميرون عبر تويتر قائلاً: اسأل نفسك أيها المواطن البريطاني عندما يغادر المراهق منزله في لندن وينضم إلى داعش في العراق وسوريا كيف يمكن للحوار أن يجعل الحكومة هي المسؤولة؟.
الخلاصة:
إن الفكر الداعشي انتشر في بريطانيا لأن الأصوات الوسطية المعتدلة والقوية غرقت في المجتمع البريطاني المعاصر فلم يعد لها تأثير على الشباب المسلم، لذلك يجب مكافحة الفكر الأيدلوجي المتطرف بالفكر الوسطي المعتدل لنبذ التطرف وقهر الإرهاب.