عبدالعزيز محمد الروضان ">
إن الأمة الإسلامية اليوم كما هي بالأمس، بل وفي الغد تملك تراثاً عميق المضامين، سنِي المقاصد، عظيم المبادئ، ألا وهو كتاب الله الذي قال الله عنه: {... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ويقول الله عنه كذلك: {ِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...} ويقول الله عنه أيضاً {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل} ويردف الله مع هذا وذاك قوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيرًا} فما من شاردة ولا واردة يحتاج إليها البشر إلا وهي بين دفتي هذا الكتاب فاقرؤوا معي قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} فهذا الكتاب ما من شيء إلا وتبيانه فيه يقول الله تعالى في هذا الصدد: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} إذا كان هذا هو قول الحق تبارك وتعالى عن كتابه فإنه لخليق بالأمة أن تنزل عليه في جميع شئون حياتها المنظورة وغير المنظورة.. فكتاب الله بمثابة طوق نجاة للبشرية جمعاء ناهيكم عن الأمة التي نُزل عليها هذا الكتاب، ولكن الأمة يعتقدون أن هذا الكتاب له بعد واحد ألا وهو أنه دليلنا إلى جنان الخلد والزحزحة عن النار فحسب!! وهذا البعد لا يمكنني كما لا يمكن لغيري أن نقلل من شأنه البتة، فهو بُعدَ سامِ، ومطلب نبيل، وغاية تقتصر دونها كل الغايات.. ولكن كتاب الله مع هذا يدلنا على صلاح دنيانا وآخرتنا على حد سواء، فكتاب الله يملك البعدين معاً. فهو يتكلم عن صلاح الدنيا كما يتكلم عن صلاح الآخرة، والنصوص من هذا الكتاب لا يمكنني حشدها في هذا المكان الضيق، فهي معلومة لدى من يتلو هذا الكتاب.. ولكني سأكتفي بنص واحد تتبلور من خلاله هذين البعدين وهما صلاح الدنيا والآخرة معاً قال تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ. إذا كان كتاب الله هو منهاج حياة ونبراس طريق، وجُمع فيه خيري الدنيا والآخرة فحري بالأمة أن تتشبث به.. إن الأمة اليوم لم تتماس مع هذا الكتاب بالشكل المطلوب ومن ثم فوتت الأمة على نفسها عطاءات هذا الكتاب المادية والمعنوية، ودعوني أبينلكم موقف الأمة اليوم من كتاب الله بهذا المثل، وهو أنه كان هناك شخص يتكئ على عمود إنارة فمر به شخص آخر وسأل هذا ما فائدة العامود الذي أسندت ظهرك عليه فرد المتكئ: أما ترى أني أستند عليه! ونسي هذا أن هذا العامود فوقه مصباح يمده بالإنارة.. إن الأمة لم تعلم من هذا الكتاب سوى أنه دليلنا إلى بحبوحة الجنان..إن كتاب الله لو اقتربت إليه الأمة اقتراباً معنوياً لنالت قصب السبق والقدح المعلا في كل مضمار من مضامير حياتها، ولتعلم الأمة أن مائدة كتاب الله يجلس عليها عالم الدين وعالم الاقتصاد وعالم السياسة وعالم الطب والفلك والنفس والاجتماع.. وهلم جرا، إن الأمة لم يقترب أحد منها بهذا الكتاب إلا عالم الدين والفقه وما سواهما بعيد كل البعد عن هذا الكتاب! إن الأمة اليوم ربما أنها اشتغلت بصوارف تصرفها عن هذا الكتاب، فأبعدت النجعة عن مقاصده ومضامينه ومبادئه السامية. إن انكفاء الأمة على أمور ليست من مضامين هذا الكتاب في شيء جعلتها في منأى عن مضامين هذا الكتاب.
إن كتاب الله جامع مانع كما أسلفت في مستهل هذا المقال فيجب علينا أن نبذل الجهد في الوقوف طويلاً تمحيصاً وتدقيقاً على نصوصه، فلن نقطف عطاءات هذا الكتاب إلا بواسطة التدبر «التدبر العميق» قال تعالى: {أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ويقول الله تعالى: {وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} إن الأمة لن تملك النصر والتمكين والظفر بالخير كله إلا إذا ارتمت في أحضان هذا الكتاب وذهبت إلى دعوة الحق وهو الله تعالى قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} إذاً فلن تمتلئ أكفنا إلا إذا غرفنا من هذا الكتاب.. إن كتاب الله فيه الذكر الحسن لهذه الأمة بين الأمم يقول الله تعالى عن هذا الذكر: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} إن الله مع إرشاد الأمة إلى الأخذ بهذا الكتاب، فهو يطالبها أيضاً أن يتعدى خيره إلى جميع الأمم والشعوب على وجه الأرض. وإن أغفلت شيئاً في هذا المقال فلا يمكنني أن أغفل أن تلك المشاكل التي مُنيت بها الأمة عن طريق شبابها ما كان لها أن تتأتى لو أنهم استقوا تعاليمهم من هذا الكتاب عبر علماء ودعاة ووعاظ عرفوا مضامين هذا الكتاب الذي تعاليمه دالة إلى الخير ناهية عن الشر وتفضي بشباب الأمة إلى بر الأمان ويكونوا معاول بناء لا معاول هدم وأن لا يكونوا مطايا يركب صهوة جهلهم الأعداء. إذا كان هناك ثمة مشروعات تُقدم للأمة من هنا وهناك فلا أجد مشروعاً أسمى من هذا المشروع وهو قطف ثمار كتاب الله الذي يقول الله عنه: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ}، ولا تعقيب لي بعد هذه النص القرآني الكريم.
والله من وراء القصد.