الحل ليس في حجب مواقع التواصل الإلكتروني وإنما في الأمن الفكري ">
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أشير إلى ما نشر في الصفحة الأخيرة يوم الثلاثاء الخامس من شهر شوال لهذا العام (1436هـ) بعنوان (احجبوا مواقع التواصل الإلكتروني وفكونا) للكاتب محمد آل الشيخ، الذي أشار فيه إلى بيان (وزارة الداخلية) (حول التنظيم الداعشي الإرهابي الذي يجند الصبية الانتحاريين من خلال الإنترنت ومنها يلج إلى أذهان هؤلاء السذج فيغرر بهم باسم الإسلام والجهاد ويعدهم بالجنة ونعيمها إِذ هم قتلوا أنفسهم وغيرهم... الخ) ويطلب حجب هذه المواقع الإلكترونية حجبًا (متقنًا) واستشهد بالمثل الشعبي (باب يجيلك منه ريح سده واستريح)، أقول تعليقًا على هذا المقال: إنه كما هو معلوم أن الأسرة هي حجر الزاوية في المجتمع وكما يقول علماء النفس والتربية وكما درسنا في العلوم الاجتماعية: إن هذه الأسرة هي المسؤولة عن التربية والتنشئة لأفرادها منذ ولادة الطفل من بطن أمه (وهو لا يعرف شيئًا) فيتعلم منها حركاته وسكناته وكلامه في مهد الطفولة المبكرة فيتلقى منها هذه التربية من عادات وتقاليد وقيم إسلامية واجتماعية، فهو بمنزلة الاسفنجة التي يمتص من هذه الأسرة جميع ما يتعلق بحياته الآنية والمستقبلية ويخزنها في خزان دماغه، الذي يتسع لـ(50) ألف مليون خلية، كما يقول أطباء المخ والأعصاب، التي تحرك جميع أفعاله وأفكاره وسلوكه ويكبر شيئًا فشيئًا في تكوينه (البيلوجي والعضوي) وأمنه الفكري وحصانته الذاتية. وهنا مربط الفرس الذي يجعله يفكر ويقدر ويقيس الأمور بمواقفها الاجتماعية والدينية والسلوكية ويساعده على هذا أيضًا خبراته ومواقفه الاجتماعية، فإذا كانت هذه التربية تربية إسلامية صحيحة ووسطية لا تشدد فيها لا في الدين ولا في العبادات في العادات والتقاليد {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...} عندها يكون هذا النشء وسطيًا في تعامله مع نفسه وأسرته ومجتمعه لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا أفكار متطرفة ولا إرهاب، فالأسرة هي الحصن الأول في الأمن الفكري ويزيد ذلك إيجابًا وتطورًا المجتمع الثاني وهو مجتمع الوسط المدرسي من معلمين وزملاء ومناهج دراسية معتدلة وخصوصًا المناهج الدينية ويمتد هذا إلى المجتمع ومؤسساته الدينية، منابر المساجد والدعاة والعكس صحيح ولنا تجارب مع الفكر المتطرف والغلو والتكفير (منذ حركة جهيمان) والمهدي المنتظر قبل أكثر من ثلاثين سنة ولحق هذا تفجيراتتتابعة (في العليا والخبر والمدينة المنورة وغيرها). كل هذا حصل (قبل الأطباق والصحون الفضائية) بعكس الآن، حيث تنتشر القنوات الفضائية في أرجاء السماء بأكثر من ألف ومائتي قناة، إضافة إلى (وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية)، يملك أجهزتها الرجال والنساء والشباب والكهول حتى الأطفال الذين ينكبون عليها ليل نهار ويقرؤون ويشاهدون ما يدور فيها من أحداث وأخبار، سواء كانت إيجابية أو سلبية أعود وأقول، إن (حجب مواقع التواصل الإلكتروني كما طلب الكاتب آل الشيخ) غير مجدية حتى ولو تم حجب البعض منها، لأن هناك قنوات فضائية أفظع وأشد من وسائل التواصل الاجتماعي ولو حجبت هذه المواقع زمنًا لن تحجب زمنًا آخر، لأننا أصبحنا والعالم بأسره (نشترك في غرفة إلكترونية واحدة) ولكن العبرة في الأمن الفكري والحصانة الذاتية منذ الصغر حتى نعرف جميعًا كبارًا وصغارًا رجالاً ونساءً الصح من الخطأ والغث من السمين ونقيس الأمور بهذا المقياس ونعرف التطرف والإرهاب والغلو في الدين من عدمه ونطبق الآية الكريمة التي تقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ......} (الآية) اللهم احفظ بلادنا من كل سوء وشر وأدم علينا نعمة الأمن والأمان وأجعل عزتنا في ديننا وأكفنا شر الحاقدين والأشرار إنك سميع عليم.
آخر السطور:
(يا الله تحفظ بلادنا والملك سلمان وتنصرنا على الشر وعوانه في طهران)
(من شعر سلمان سلامة الهلالي)
- مندل عبدالله القباع