أ. ماجد بن عبدالرحمن الحمود ">
تعلن وزارة التعليم سنوياً عن آلاف الوظائف التعليمية, وتجري المسابقات والاختبارات والمقابلات لاختيار المرشحين من خريجي الجامعات لينضموا إلى زملائهم المعلمين في المدارس. إلى هنا ينتهي دور الوزارة مع هؤلاء المعلمين الجدد, وتبدأ بالاستعداد لاستقطاب معلمين آخرين في العام القادم.
بينما يبدأ ذلك المعلم الجديد رحلته التعليمية في إحدى مدارس المملكة, حيث يسلَّم الجدول الدراسي ويطلب منه التعامل مع العشرات - إن لم يكن المئات - من الطلبة والطالبات وعليه التعرّف على المناهج الجديدة التي سيدرّسها, وأسلوب التعامل مع الطلبة, والخصائص العمرية للطلبة في المرحلة التي يدرّس بها, كما عليه معرفة الأنظمة الإدارية للتعليم بشكل عام, والعلاقة التي تربط كل فرد من أفراد العملية التعليمية بالآخر, وأسلوب العمل المتبع في المدارس, وغيرها الكثير والكثير من الأمور والمسؤوليات والصلاحيات التي تلزم أن يتعلّمها المعلم الجديد بنفسه, بل عليه أن يتقن كل تلك الأمور ويبدع فيها, فهو مراقب ومحاسب.
من هنا تبدأ رحلة المعاناة لكثير من المعلمين الجدد الذين يواجهون رحلة التعلّم والتعليم في آن واحد, فتارة تجده يواجه الأمور عن طريق المحاولة والخطأ, أو يحاول تكرار خبرات زملائه السابقة, وكثيراً ما يقع الخطأ والمشكلات في هذه المرحلة.
هنا نتساءل: هل يمكن أن نتجنب مشكلات نقص معرفة أو خبرة المعلم الجديد؟.. وهل يمكن أن نقدّم للمعلم الجديد الدعم اللازم ليبدأ مسيرته العملية بشكل أكثر ثقة واستقراراً؟.. وهل يمكن أن نطور من أداء وإمكانات المعلم الجديد قبل أن يتولى تدريس الطلاب؟.. بالتأكيد يمكننا ذلك وبطريقة ستجنبنا الكثير من الخسائر مستقبلاً, بل ستضمن لنا النجاح في التعليم وتحسن مخرجاته على المدى البعيد.
إن التدريب الحقيقي المبني وفق أسس وقواعد علمية صحيحة كفيل بتهيئة المعلم الجديد لبداية حياته العملية بشكل أكثر ثقة وإبداعاً, وبطريقة تساعده على إبراز إمكاناته وقدراته, وتوجهه بالصورة التي يرجوها مسؤولو التعليم.
ومن المهم هنا قبل أن نتحدث عن نوعية التدريب أن نناقش الفكرة القائلة بأن تدريب المعلمين الجدد ليس مسؤولية الوزارة؛ فيفترض بالمعلمين الجدد أن يكونوا على قدر عال من التدريب والتأهيل قبل تخرّجهم من الجامعات لا سيما وهم يتلقون تدريباً عملياً قبيل تخرّجهم من الجامعة في إحدى المدارس, وبالتالي فليست مسؤولية الوزارة تدريبهم، بل هي مسؤولية الجامعات التي يجب عليها أن تتأكد من جاهزية طلابها لسوق العمل قبل تخريجهم. فيما يرد مسؤولو الجامعات وأساتذتها بأن دورهم ينحصر في تمكين طلابهم من التخصص الذي يدرسونه ولا علاقة لهم بتهيئة الطلاب لسوق العمل. ولأن النقاش في هذا الموضوع لا يكاد ينتهي, لذا من الخطأ الحديث عن هذا الموضوع وترك المشكلة الأصلية وهي عدم جاهزية المعلم الجديد لممارسة التعليم بالصورة المثلى, وبالتالي ضعف إنتاجيته واستمراره على مستوى متدن من الأداء. إلا أنني سأكتفي ببضع أمثلة تبيّن أنه من المهم تدريب الموظف الجديد قبل تسلّمه لمهام عمله؛ فمن المعروف عن المصانع والشركات الكبرى أنهم يعقدون دورات تدريبية لموظفيهم الجدد بعد تعيينهم مباشرة لتدريبهم على نوعية وطبيعة العمل الذي سيؤدونه والآلات التي سيعملون عليها, وكذلك الضباط حينما يتخرّجون من الكليات العسكرية ويتم توجيههم لأحدى القطاعات العسكرية ينخرطون مباشرة في دورة عسكرية لتدريبهم على مهمات القطاع الذي يعملون فيه, ونوعية السلاح الذي سيتعاملون معه, ولعل الأطباء هم الأكثر تدريباً قبل وبعد تخرّجهم من كليات الطب فيكاد أحدهم لا يعمل عملاً إلا بعد الرجوع إلى الاستشاري المختص, وهنا نصل إلى السؤال الأهم: هل المعلم الجديد لا يحتاج قبل بدء عمله للتدريب؟ وهل الآلات والأجهزة والأسلحة أهم من عقول أبنائنا وبناتنا؟! لا أعتقد أنه سيختلف اثنان على إجابة السؤال.
أما عن نوعية التدريب المفترض تقديمه للمعلمين الجدد فسيكون في الجزء الثاني.
باحث تربوي ومختص في مناهج وطرق تدريس اللغة العربية - عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)
majedmnb@gmail.com