عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم الريس ">
الحمد لله الذي أَحْكَمَ الأمورَ وقدَّرَها، وقدَّرَ الأشياءَ ودبَّرها، وطَهَّر القلوب ونوَّرها، وسيَّر الأفلاكَ وسخَّرَها، ونَشَرَ السُّحُبَ وأَمْطَرَها، وفَضَّل شهرَ رمضانَ على جميع الشهور، وخصَّ ليالِيْهِ بتوفيرِ الأجور، فسبحانَ الذي اطَّلَعَ على الذنوبِ فَغَفَرَها، وعلى العيوبِ فسترها، نحمده على نِعَمِهِ التي نَشَرَها، وأسبابِ رحمتهِ التي يسَّرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نافعةً لمن عنده ادَّخَرَها، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي أَيَّدَ الله به الشريعةَ ونصرها، وهدى به الأمَّةَ إلى طريقِ الصَّوَابِ وبَصَّرها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
إخواني:
إنَّ مِنْ أَعظم نِعَم الله عز وجل على عباده أن فتح لهم باب التوبة، وجعله فجرًا تبدأ معه رحلة العودة إليه بقلوبٍ منكسرة، ودموعٍ منسكبة، وجباهٍ خاضعة، قال الله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (49 سورة الحجر).
فالله عز وجل قد فتح بابه للتائبين ليلاً ونهارًا «يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوبَ مسيء الليل.
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر يقول: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة» [رواه مسلم]. فالذَّنْبُ أيها الإخوة مهما عَظُمَ فعفو الله أعظم، وتأمل في فضل الله تعالى على التائب العائد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التائِبِ من الذَّنْبِ كمن لا ذَنْبَ له» [رواه ابن ماجه والطبراني].
إخواني: إن فرص التوبة متاحة لمن صدق مع الله تعالى، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «رَغِمَ أَنْفُ من أدركه رمضان فلم يُغْفَر له» [رواه الترمذي].
كلنا أصحاب ذنوب وخطايا، وليس منا من هو معصوم عن الزلل والخطأ، ولكن خيرنا من يسارع إلى التوبة ويبادر إلى العودة، تحثه الخطى وتسرع به الدمعة، ويعينه أهل الخير.
فإن من واجب الأُخُوَّة في الله عدم ترك العاصي يستمر في معصيته، بل يُذَكَّر ويُنَبَّه، ولا يهمل ويترك فيضلَّ ويشقى، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولو تَفَقَّد كلٌّ منا أخاه وقريبه وجاره لصلحت الحال واستقامت الأمور، خاصة إذا اطمأنت النفوس، فإنها فرصة عظيمة لتنبيه الغافل وتعليم الجاهل.
إخواني: علينا إعلان التوبة والاستغفار من الذنوب السابقة، لصيانة النفوس عن المآثم اللاحقة، واغتنام الخيرات والمسابقة، فطوبى لمن تلقاه بتوبة صادقة، وشَمَّر إلى فضائله بعزيمة واثقة، فعيشته عيشة راضية، ومآله إلى جنة عالية، قطوفها دانية، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24 سورة الحاقة).
اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها، ونعوذ بك من المعصية وأسبابها، اللهم يا دائم الخير والإحسان، يا من يجود على عبده بالنوال قبل السؤال، تفضل علينا بعفوك وجودك وإحسانك، واجعل مآلنا إلى جناتك، وأعذنا من نيرانك، اللهم اقبل توبتنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويَسِّر أمورنا، وتجاوز عن سيئاتنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واجعل عملنا مقبولًا، وسعينا مشكورًا، وذنبنا مغفورًا، واجعلنا من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية