فضل بن سعد البوعينين
حتى في الأوضاع السياسية المتأزمة؛ نَعِمَت إيران بعلاقات تجارية متميزة مع غالبية دول الخليج؛ التي ساعدتها على التعايش مع العقوبات الاقتصادية؛ والالتفاف عليها. لم تجد إيران مشكلة في توفير ما تحتاجه من منتجات وسلع أجنبية بالرغم من القيود المفروضة على قطاعاتها المالية؛ التي أخرجتها قسرًا من نظام المدفوعات المالية الدولية «سويفت».
أبقت بعض دول الخليج علاقاتها الاقتصادية المتميزة معها دون تغيير؛ وساعدتها في توفير احتياجاتها الضرورية من خلال التبادلات التجارية والمالية.
وأصبح (وكلاء) إيران في المنطقة قادرين على تأمين احتياجاتها الضرورية، من خلال شركاتهم الصورية في دول الخليج. شجعت تلك العلاقات التجارية؛ النظام الإيران على المضي في نهجه العدائي في المنطقة؛ وتنفيذ عملياته التخريبية الموجهة ضد البحرين؛ والسعودية.
أدرك النظام الإيراني أن التعامل الأحادي مع الدول الخليجية يمكن أن يحقق له الأهداف المتناقضة في آن؛ العلاقات التجارية المالية المتميزة؛ والعمليات الإرهابية الموجهة. لم يتعامل مجلس التعاون الخليجي ككتلة واحدة أمام التهديدات الإيرانية؛ في الجانبين الأمني؛ والاقتصادي؛ ما تسبب في الإضرار بمصالح بعض الدول الأعضاء؛ وأسهم في تعرضها لعمليات إرهابية منظمة.
بعد إعلان مملكة البحرين ضبط عملية تهريب متفجرات قادمة من إيران؛ ومرتبطة بالحرس الثوري؛ قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة رسمية للكويت؛ دعا فيها إلى تعاون لمواجهة تهديد «الإرهاب والتطرف والطائفية»!!. وقال: إن «ما تحتاج إليه المنطقة ليس أن تغيّر إيران سياساتها، بل تغيير في سياسات دولٍ تسعى إلى النزاعات والحرب». ظريف لم يفوت فرصة التشكيك في إعلان البحرين؛ وتجاوز في تصريحاته التي أطلقها من الكويت حدود اللباقة الدبلوماسية؛ واتهم المنامة بالعمل على «عرقلة أي تطوّر في التعاون بين إيران والدول الأخرى في الخليج». ألبس ظريف إيران الوشاح الملائكي؛ وعمد إلى شيطنة بعض دول الخليج المتضررة من الإرهاب الصفوي. الأكيد أن تلك التصريحات القذرة لم تجد من يرد عليها رسميًا؛ ولو من باب رفع العتب!!.
لم يمض يوم واحد على تصريحات ظريف؛ حتى تعرضت البحرين لعملية تفجير إرهابية أخرى. ألمحت السلطات البحرينية، إلى تورط إيران في التفجير؛ وأشارت إلى أن المتفجرات المستخدمة في الحادث مشابهة لنوعية المتفجرات التي تم إحباط محاولة إدخالها من إيران يوم السبت الماضي.
لم يجد ظريف من يوقفه عن شيطنة الدول الخليجية؛ واتهامها بالإرهاب والتطرف؛ ولم تجد إيران من يوقفها عن ممارسة أعمالها الإرهابية في السعودية والبحرين؛ والكويت أيضًا؛ التي ربما أصبحت؛ مستقبلاً؛ أكثر الدول الخليجية انكشافًا على الإرهاب الصفوي.
عندما يغيب الموقف الموحد؛ يصبح مجلس التعاون فارغًا من مضامينه التعاونية، وهو ما حفز إيران على التمادي في أعمالها العدائية. حتى اليوم لم نسمع عن عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الخليجية؛ لتوحيد الجبهة الخليجية تجاه إيران. جولة وزير الخارجية الإيراني على بعض الدول الخليجية تشي بالحالة التي أصبح عليها مجلس التعاون؛ وقدرة النظام الإيراني على خلخلته بالعلاقات الأحادية.
ما أحوج دول الخليج لموقف سياسي؛ أمني؛ واقتصادي موحد تجاه إيران؛ التي لا تعترف إلا بلغة القوة والمواجهة. نتجاوز الرد العسكري؛ ونطالب بمواجهة دبلوماسية موحدة؛ وموقف ثابت تجاه التهديدات الإيرانية المستمرة للبحرين. المقاطعة التجارية من الأدوات المؤلمة التي يمكن أن تحدث أثرًا كبيرًا في الداخل الإيراني. شكلت بعض دول الخليج رئة إيران التجارية خلال الحظر الاقتصادي الدولي؛ وما زالت مستمرة على ذلك.
ما لم تُقدم دول الخليج مصالح المجلس ككتلة واحدة على مصالحها الفردية فلن تستطيع مواجهة إيران والتأثير عليها وتغيير سياساتها العدائية في المنطقة.
لسنا مع مقاطعة الإقصاء؛ بل المقاطعة من أجل الإصلاح؛ وإعادة النظام الإيراني إلى رشده. ما لم يشعر النظام الإيراني بخطر المواجهة فسيبقى على نهجه العدائي. وأختم بالقول إن خطر إيران في المنطقة لن يتوقف عند البحرين بل سيتجاوزها إلى جميع الدول الخليجية الأخرى؛ وفي مقدمها الدول التي أوهمها النظام الإيراني بالأمن الاستثنائي.
الدول الخليجية مطالبة بترتيب أوضاعها من الداخل، وقطع علاقاتها الاقتصادية مع إيران، والتفكير الجدي في إشغال إيران بنفسها من الداخل. إضافة إلى فرض حظر مالي صارم على التبادلات المالية، والتحويلات بأنواعها؛ وقبل كل ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية التي لم تُثمر إلا عن مزيد من التعنت، والتمادي، والتآمر على الأنظمة والشعوب.