محمد بن عبدالله آل شملان ">
لمليك الوطن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - اتجاه اليمن مواقف جسورة اقتضتها المنعطفات التاريخية الحاسمة، فهناك كانت له صولة وجولة ضد مخططات النظام الإيراني التي تستهدف المنطقة العربية برمتها، ستذكرها الأجيال المتناسلة: جيلا بعد جيل. ويأبى التاريخ إلا أن يكتبها نقوشاً مرصعاً بالأوسمة والنياشين على وجه الدهر والزمان. ويستحضرني اتجاهها في هذا المقام قول الدكتور أحمد بن عثمان التويجري:
سلمانُ قَرِّبْ جبيناً كَي أُقَبِّلَهُ
بِهِ وِرَبكَ إنَّ العزَّ مُقتَرِنُ
ما خاب ظَنِّي وَلا ظَنُّ الكرامِ به
فدَاهُ كُلُّ جبانٍ هَدَّهُ وَهَنُ
شَفَيْتَ بالحزم أَرواحاً وأَفئدةً
كم كان يحرقها في صمتها الشَّجنُ
سلمانُ يا قَدَرَاً جاد الإلَهُ به
وَغَيْمَة للمعالي غَيْثُهَا هَتِنُ
أَوْجِعْ بعزمكَ منْ خانوا عروبتهمْ
هم العدوُّ وَفيهم تُولدُ الفِتَنُ
خابوا وخابتْ مُناهُمْ أَينما اتَّجَهوا
وخاب ساحرهمْ مَنْ كان يُؤتَمَ
من كان في عدن يوم هبوط أول طائرة عسكرية سعودية في مطارها يوم الخميس 7 شوال 1436هـ الموافق 23 يوليو 2015م كان سيحس بتلك الطاقة الإيجابية التي سرت في جسد الوطن اليمني ومواطنيه.كل اليمنيين بل العرب على اختلاف توجهاتهم أحسوا برسالة الهبوط من حلب شمالاً إلى عدن جنوباً ومن رأس الخيمة على خليجنا العربي شرقاً، إلى مغرب أمتنا غرباً. الرسالة التي كهربت الجسد اليمني هي أن التحالف العربي بقيادة السعودية أبى ألا يكون هو السباق بالهبوط ليرد بوضوح لا لبس فيه أن قامة اليمن عالية، وأن اليمن هي منبع العروبة وأن اليمن هي موغل الحكمة والإيمان، وبالتالي كان الهبوط بمثابة بشرى النصر لأهل اليمن، وإعادة الشرعية لليمن، ورعب لميليشيات صالح والمتمردين الحوثيين الذين اجتاحوا اليمن بمساعدة النظام الإيراني. الملك سلمان بذلك التحالف كان هو اللحظة الحاسمة لكسر عظم المشروع الصفوي بقيادة إيران والحفاظ على أمن المنطقة ووقف المراهقة الإيرانية.
الطائرة العسكرية تلك أولى طائرات الجسر الجوي التي وجّه بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لإغاثة الشعب اليمني، وتأمين مطار عدن، وبمتابعة من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هي أكبر رد على أن قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية ودول الخليج الذي يهمها اليمن كما هو اليمن يهمها السعودية ودول الخليج.؟ هذا الهبوط هو الذي جعل أهل اليمن كلهم - محافظة بعد محافظة - تحوّل صوت (عاصفة الحزم.. وإعادة الأمل) إلى إيقاع عزف للأجيال أجمل ترنيمة يرددها الأطفال في كل مكان.. وحوّل مواكب أحزان الأمس إلى زفة فرح وعزة وبهاء امتلأت بأهازيج «عاصفة الحزم.. وإعادة الأمل» وهتافات «عاصفة الحزم.. وإعادة الأمل» وشعارات «عاصفة الحزم.. وإعادة الأمل» وألبسة «عاصفة الحزم.. وإعادة الأمل». وجعلت الطفولة في مطار عدن تقبل رأس أفراد قوة الطائرة العسكرية بعفوية وبكهرباء الطاقة الإيجابية التي سرت في أجسادهم كما سرت في جسد جموع اليمنيين، فمن تابع لغة الجسد ونغمة الصوت ومفردات اللغة عند أولئك الأطفال من سماعهم أزيز طائرات «C130» التابعة للقوات السعودية في مطار عدن وهبوطها، بالمواد الإغاثية الإنسانية فيها، وطريقة توزيعها، إلى ترديدهم الأهازيج المختلفة، والتقاطهم الصور التذكارية و»السيلفي» مقدمين معها التحية عسكرية لحماة الشرعية. يدرك أن الأطفال يمثلون المتوسط الحسابي للأخلاق اليمنية في أبهى صورها. الوفاء والاحترام وتقدير المنجز الخلاّق.. هؤلاء هم اليمنيون. وهذا تحليل لا تملق. فقد أكون أكثر قدرة في الحكم على ما يفعله اليمنيون لأنني عشت معهم وجهاً لوجه أكثر من مرة ولأكثر من ساعة في كل مرة بحكم عملي بالإيفاد للتدريس هناك في فترة سابقة بحكم التعاون التعليمي بين السعودية واليمن.
رسالة الملك سلمان الثانية هي مؤتمر الرياض «الذي أقيم تحت شعار من أجل إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية» وبدأت أعماله بقصر المؤتمرات للضيافة بالرياض يوم الأحد 28 رجب 1436هـ الموافق 17 مايو 2015م واستمر لمدة 4 أيام بحضور رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي، ونائب رئيس الجمهورية اليمنية رئيس مجلس الوزراء خالد بحاح، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني، ونائب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد بن حلي، ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، وعدد من الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع اليمني والشباب ومشايخ القبائل والشخصيات الاجتماعية الذي رسم خارطة طريق ونجاة لدولة اليمن من خلال عدد من القرارات الملزمة بالتنفيذ والحاظية بدعم خليجي بقيادة المملكة بتحالف من دول مجلس التعاون والدول العربية وبمباركة من الأمم المتحدة.
فلقد جسّدت رسالته الضافية التي وجهها ـ يرعاه الله ـ للمؤتمر التي تلاها معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، الرؤية الصائبة الثاقبة للقضية اليمنية، كما هي دائماً الدبلوماسية السعودية التي ترتكز على أسس ثابتة والتي تضع الحقوق العربية والإسلامية كمحور ارتكاز لانطلاقتها وفي تعاملها مع مختلف القضايا
وهو ما عبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - نصره الله - بقوله: «إن العالم أجمع يترقب تفعيل نتائج هذا المؤتمر المبارك، فمسؤوليتكم التاريخية والأمانة الملقاة على عواتقكم تحتم عليكم بذل قصارى الجهد لتحقيق آمال وتطلعات الشعب اليمني الشقيق.. لقد شرعت المملكة ودول التحالف بالاستجابة الفورية لطلب الحكومة اليمنية الشرعية الممثلة في فخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي بإنقاذ اليمن وحماية شعبه وشرعيته وفقاً لمبدأ الدفاع عن النفس لحماية مكتسبات الشعب اليمني وإنجازاته التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل والمدعومة بقرار مجلس الأمن رقم 2216، وهو الأمر الذي يأتي في سياق حرصنا واهتمامنا باليمن وسيادته وسلامة أراضيه، والحفاظ على عروبته واستقلاله، وحتى لا يكون مصدراً للتهديد وزعزعة الاستقرار في المنطقة ومرتعاً للمنظمات الإرهابية. وامتداداً لهذا الدور جاءت عملية إعادة الأمل التي نتطلع أن تسهم في تكاتف الأشقاء والأصدقاء في تحقيق الاستقرار تمهيداً لبدء المشروع التنموي في اليمن الشقيق».
رسالة الملك سلمان الثالثة هي إنشاؤه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وتدشينه ووضع حجر الأساس للمقر الدائم للمركز يوم الأربعاء 34 رجب 1436هـ الموافق 13 مايو 2015م. إن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لدعم اليمن كان بمثابة تضميد جراح لوطن مر بمحنة، ولذلك كان هو حدثاً مهماً على المستوى الدولي يجسد الدور الريادي للمملكة في الأعمال الإنسانية والإغاثية التي شملت جميع أنحاء العالم، وقدمت المملكة من خلالها المساعدات للدول التي تعرضت لكوارث طبيعة وللحروب بعيداً عن العرق والجنس والدين.
ولذلك كان المركز لليمن وأهله بالنسبة لنا واجبة، وأراد مليك وطننا - سدد الله رأيه وألهمه التوفيق في كل مجالاته - أن تصل الرسالة للجميع بأن علاقة المملكة باليمن بها شق عاطفي قوي تترجم حرفاً معنى التقاء الشقيق بشقيقه ووشائج المحبة والقربى ناهيك عن الدين العظيم الإسلام الذي يوجب إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج، والمحافظة على حياة الإنسان وكرامته وصحته. نعم كان اليمنيون في حاجة إلى ذلك المركز، ولكنهم لم يطلبوه ولما أحس الشقيق بحاجتهم لدعمه كانت مبادرة سلمان. إنها فروسية الملك سلمان وشهامته، وخصال القائد الحكيم وأبوته، وسجايا الإنسان الرحيم وحزمه وعزمه، قيم الشعب السعودي ممثلا في قادته. ما قاله الملك في احتفائية التدشين تلك يكفينا كسعوديين فخراً، فالملك سلمان - يحفظه الله - لا يقول إلا ما يحس به، والرسالة وصلت من ذلك المركز إلى صنعاء وعدن وذمار.. في لحج وتعز.. وعروس البحر «الحديدة».. في حضرموت والمكلا.. وإب وعمران بل وكل ربوع القطر اليمني. إذْ قال: «سيكون هدفنا ورسالتنا السعي جاهدين لجعل هذا المركز قائماً على البُعْد الإنساني بعيداً عن أي دوافع أخرى بالتعاون مع المؤسسات والهيئات الإغاثية الدولية المعتمدةِ، وحرصاً منا على إخواننا في اليمن الشقيق، وفي إطار عملية إعادة الأمل فسيُولي المركز أقصى درجات الاهتمام والرعاية للاحتياجات الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني العزيز على قلوبنا جميعاً. ونسأل الله للجميع التوفيق والنجاح، وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا العربية والإسلامية الأمن والاستقرار، وأن يسود السلام كافة أرجاء المعمورة». وقد استفاد من ذلك المركز أكثر من 20 ألف عالق يمني في مصر والأردن والهند والسعودية قدمت لهم معونات مالية من خلال الحكومة الشرعية، وتم نقلهم إلى اليمن آمنين سالمين وتم تقديم معونات أخرى شملت الدواء والغذاء والاحتياجات العاجلة. إلى غير ذلك من البرامج الهامة لمساعدة الأشقاء في اليمن واللاجئين من اليمنيين خارج الوطن. وتم تخصيص مليار ريال للأعمال الإغاثية والإنسانية لهذا المركز إضافة إلى ما سبق من تخصيص ما يتجاوز مليار ريال استجابة للاحتياجات الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني الشقيق.
في صحيفة «الجزيرة» السعودية كنت قد كتبت مقالاً بعد قرار عاصفة الحزم نشر يوم الاثنين 8 رجب 1436هـ العدد 15551 رسمت فيه ملامح الشكر والتقدير للملك سلمان وكانت بعنوان «شكراً للملك الحازم سلمان.. من أجل إنقاذ اليمن» قلت في تلك الفكرة نيابة عن السعوديين الأوفياء: «سيدي الملك الحازم سلمان بن عبدالعزيز - رعاه الله -.. من ورائكم ملايين الوطن العرب والمسلمين الذي يطالبكم باسمه ونيابة عن آلامه وطموحاته بالاستمرار في تحرير القرار العربي من عبودية الخلاف، وتأكيد الصمود العربي في وجه كل ما يحاك ضده من مناورات، أياً كان مصدرها ووسائلها؛ ليظل البيت العربي والإسلامي نموذج الأمس من أجل الغد الزاخر بكل الطموحات. أتعرف يا سيدي الملك الحازم سلمان بن عبدالعزيز - يا رعاك الله - أن موقفك ذاك لم تخذل الأمة العربية والإسلامية؛ وعليه خذ يقيناً بأننا جميعاً - فرداً بعد فرد - لن نخذل الأمة العربية والإسلامية كذلك، ولن نخذلك، بل وسنزيد عليها.. لن نخذل الوطن. لقد راهنت على مواقفنا عند الشدائد وعلى أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وها نحن نقول لك: سر بنا حيثما تشاء، فالشعب خلفك جند من جنود الله يخلص لك الحب والوفاء والولاء، جاؤوا إليك بقلوبهم يجددون العهد والبيعة على أن يبذلوا الأموال والأرواح فداء للوطن والكيان، هذي جموع الشعب من شرق الوطن إلى غربه شماله وجنوبه؛ كأنهم يعيدون إلى التاريخ يوم بيعتك وما قد سطروه بضمائرهم وأفئدتهم لكي يصونوا العهد ويجزلوا في البذل والعطاء.. ويكونوا لك سنداً ومؤيداً ونصيراً «. وبالفعل فلقد أثبت جنودنا البواسل في الأجهزة الأمنية والجيش بمختلف قطاعاته والحرس الوطني بما لا يدع مجالاً للشك أنه بالإمكان الاعتماد عليهم بعد الله جلت قدرته؛ فكانوا في قمة الحماس والتضحية في حماية الوطن، وفي قمة الفداء والانتماء الحقيقي لهذا الوطن. بل تم تشكيل التفاف حقيقي وانسجام طبيعي مابين المواطن وحماة الوطن في الحد الجنوبي بالدعاء لهم ودعمهم ومؤازرتهم.
أعود فأقول: بعد طرد فلول صالح والمليشيات الحوثية من عدن لتستبشر اليمن والمنطقة خيراً كثيراً من هذا رغم أنف الحاقدين والمتربصين. الطرد هو الوقوف بحزم ضد المشروع الإيراني في اليمن ودحر المعتدين والطامعين في الوصول إلى جزيرة العرب عبر عملائها الحوثيين وأتباع صالح وتعريض أمنها السياسي والإقليمي للخطر. الطرد ذاك سيحسم كثيراً من القضايا وسيسعد الشعب اليمني بنتائج عمليات السهم الذهبي التي كانت عدن هي أولها وسيتبعها إن شاء الله الأراضي اليمنية الأخرى.
نحن فخورون بما فعل الملك سلمان بن عبدالعزيز اتجاه اليمن؛ لأن تلك هي مشاعر السواد الأعظم من الشعب اليمني قبل الشعب السعودي. وما دار منذ بداية الأزمة وحتى الآن هو بداية لقيادة مشتركة للأمة العربية سنجني ثمارها جميعا في المستقبل. فهنيئاً للسعودية والعرب والإسلام، بفارسها النبيل، حزمه ميلاد! ولا نامت أعين المرتهنين لأعداء الأمة. (حفظ الله العرب والمسلمين ووحدتهم وحرسهم بعينه التي لا تنام). أسأل الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لما فيه خير وصلاح ورفعة الأمة الخليجية والعربية والإسلامية، وأن يديم الأمن والاستقرار والسلام على أوطاننا، وأن تنجح الجهود الخليجية والعربية والإسلامية المشتركة في تحقيق المصالح العليا.
- وادي الدواسر