د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
في أول معرض من معارض الكتاب التي شهدتها في القاهرة وقع في يدي كتابان رائعان هما (أصول التفكير النحوي) و(تقويم الفكر النحوي)، ووجدت نفسي أعكف على قراءتهما فكانا من أهم الكتب المؤثرة في ثقافتي اللغوية، وكانا من أهم مراجع رسالتي لدرجة الماجستير (الجملة الشرطية عند النحاة العرب)، ودفعني إعجابي الشديد بالدكتور علي أبوالمكارم أن أسعى إلى لقائه، استأذنته لزيارته في بيته، وحملت نسخة من رسالتي إليه، دخلت بيته لألقاه رجلًا جمّ التواضع له من اسمه أوفى نصيب؛ فهو عليٌّ مقامًا وخلقًا وهو أبٌ للمكارم حقًّا، رحبّ بي ترحيبًا شديدًا، ولما دفعت إليه بنسخة الرسالة تناولها تناول المهتم الحفي بها فلم يلقها أو يرجئ النظر فيها بل شرع يتصفحها مظهرًا السرور بها والرضا عن موضوعاتها، ثمّ التفت إلي وقال “أنا أعطي على الباب الأول هذا ماجستير”، ولم يتيسر لي أن أراه بعدها حتى جاء أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فكانت فرصة سانحة فبادرت إلى دعوته إلى بيتي فشرفني بذلك كثيرًا، وكانت زيارته يومها حلقة علمية أفاد منها ضيوف تلك الزيارة، وأما آخر مرة تشرفت بلقائه والجلوس معه فكانت أثناء العشاء الذي دعي إليه ضيوف المؤتمر الأول للغة العربية ومواكبة العصر التي نظمته الجامعة الإسلامية، وكم أثلج صدري تلك الليلة بسروره باللقاء وفاجأني أمام الحاضرين بثنائه القيم على رسالتي.
ولد العلامة علي محمد أبوالمكارم في 9/2/1936م، درس الليسانس في دار العلوم ثم الماجستير وكان عنوان رسالته (الحذف والتقدير في النحو العربي) وأما الدكتوراه فكان عنوان رسالته (مناهج البحث عند النحاة العرب)، وجاءت أعماله العلمية امتدادًا لهذه التجربة الثرية فتعمق درس نظرية النحو العربي وأثرى علومها بالبحوث القيمة التي كان لها أثرها الواضح في أعمال الدارسين بعده وكان لإشرافه على عدد من طلاب الدراسات العليا ومناقشة رسائلهم فضل في تجويد أدائهم، ومن أهم أعمال أستاذنا (الظواهر اللغوية في التراث النحوي) 1968م، (القواعد الصرفية: عرض ودراسة) 1970م، (تاريخ النحو العربي حتى أواخر القرن الثاني الهجري) 1971م، (أصول التفكير النحوي) 1972م، (تقويم الفكر النحوي) 1974م، (إعراب الأفعال) 1977م. (الجملة الفعلية) 1979م، (المدخل إلى دراسة النحو العربي: الجزء الأول ما قبل الجملة ) 1980م، (المدخل إلى دراسة النحو العربي: الجزء الثاني الجملة العربية) 1982م، (تصريف الأسماء) 1984م، (مسائل نحوية) 1986م، (قضايا ونصوص نحوية) 1988م، (تعليم النحو العربي: بحث في المنهج)، 1993م، (الجملة الاسمية) 1996م، (التراكيب الإسنادية في العربية: الجمل الوصفية-الشرطية -الظرفية) 1998م، (التعريف بالتصريف) 2000م، (التعليم والعربية: رؤية من قريب) 2006م.
تميزت لغة أستاذنا بالوضوح وجودة السبك وجمال العبارة وليس بغريب على من جمع بين الكتابة البحثية العلمية الجادة والكتابة الإبداعية؛ إذ كتب عددًا من الروايات الجياد والأعمال الإبداعية، منها (الموت عشقًا) 1990م، (العاشق ينتظر) 1992م، (أشجان العاشق)، (سفر الغربة)، (الساعة الأخيرة)، (تجليات الوهن)، (على الهامش).
وبعد مسيرة علمية مباركة توفي أستاذنا يوم الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 8 شوال 1436هـ، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه أوفى الجزاء لما بذله للعربية وطلابها.