عادل علي جودة ">
مشهدان
المشهد الأول:
ذهبنا (زوجتي وأنا) للاطمئنان على سيدة تقارب ربما الثمانين من عمرها، ولمعرفتي المتواضعة بشوارع الأردن وجسورها وأنفاقها، وللازدحام الشديد في حركة السير، تأخرنا ما يقارب النصف ساعة حتى وصلناها لنجدها كما وصفت حالها لنا؛ تجلس بالقرب من بنك الأردن المطل على دوار جبل النزهة، واضعة نظارتها على عينيها، وممسكة عكازتها بيمينها، أوقفت السيارة بالقرب منها ونزلت أم علي واتجهت نحوها، وما هي إلا برهة حتى عادت أم علي تسبقها السيدة العجوز، فصافحتني وبقيت ممسكة بيدي، وهي تقول: «يا بني بيتي قريب من هنا، تعال اشرب فنجان قهوة بعد هذا المشوار الطويل وبعدين امشي» نظرت إلى عينيها، فتحسست حرصها الشديد على ذلك، فقلت لها: حاضر يا حاجة، اصعدي معنا، وبالفعل ذهبنا إلى البيت الذي تقيم فيه.
فتحت باب البيت المهترئ، ودخلَت، ودخلنا بعدها لنجد أنفسنا في المجلس؛ وهو عبارة عن غرفة صغيرة 2×2.5م، وفيها سريران وضعا على شكل الرقم اثنين ليجلس عليهما الضيوف، ومقابل باب الغرفة الذي دخلنا منه باب آخر يأخذنا إلى غرفة صغيرة أخرى للنوم، وبجانبها مطبخ صغير فيه طاولة إلى جانب المجلس، وعلى الطاولة موقد غاز بثلاث عيون، وبداخل المطبخ دورة مياه بلا باب.
سألت أم علي عما إذا كان لديها أبناء، فأجابت بنعم لديها ابن وحيد، فسألت السيدة عن سبب إقامتها وحيدة في هذا البيت الصغير جداً، طالما أن لديها ابناً قريباً منها، فأوجعتني بشكواها من معاملة ابنها لها حتى في إحضار شيء من الطعام لها.
المشهد الثاني:
في المساء دخلنا مطعم جبري في الجاردنز لنتناول شيئاً من الكنافة كعادتنا في إجازة كل عام، وقد تزامن وصولنا مع وصول سيدة فاضلة ومعها ثلاثة أطفال صغار، وجاءت جلستنا مقابل السيدة وأطفالها، وما أن أحضر النادل الطعام لها ولأطفالها حتى بدأت تقطع اللحمة بيدها وتطعم أحدهم، ثم الثاني، ثم الثالث، ومن ثم تأكل هي، وكم كانت رائعة وهي تلاحقهم بنظرات رجائها وهمسات قلبها ليتوقفوا عن مزاحهم مع بعضهم البعض لتتمكن من إطعامهم.
اتجهت بابتسامتي لأم علي، وقلت لها: كم هي عظيمة الأم!
إلا أن ابتسامتي لم تدم طويلاً، إذ حملني مشهد حنان الأم على أطفالها، إلى مشهد قسوة الابن على أمه.
عمان - الأردن