إن من متطلبات العيش الجميل أن يتجاوز الإنسان إحدى المسائل المسؤولة عن كثير من التعقيدات والتصعيبات في مواقف وأحداث الحياة، سواء ما كان بين الأزواج والزوجات أو الآباء والأمهات وأبنائهم أو الرؤساء والمرؤوسين أو الأصدقاء فيما بينهم، وغير ذلك من العلاقات الارتباطية فيما بين الإنسان والناس من حوله، إننا نتحدث عن مسألة الأنا إشباعاً ورفعاً وتقديساً حتى تنتفخ وتكون حاجزاً لا يجعلك تسمع ولا ترى إلا أنت، ومن إفرازات ذلك الحاجز أن تكون أنت دائماً على صواب وأنت دائماً على حق وأنت دائماً الأول وغيرك المخطئ وفي الباطل يتقلب وهو كذلك الأخير، وأنت الذكي وغيرك ملئ بالغباء، وأنت المتدين وغيرك لا يحمل من الدين إلا اسمه، وأنت الطيب والصادق وغيرك لئيم وكذاب أشر، وليس من أمجاد وبطولات إلا وأنت سيدها وما من فشل وإخفاقات إلا والآخرين فقط هم سببها، وبطولاته هي ما تستحق الذكر فقط، وحالما يتم الحديث عن بطولات الآخرين ونجاحاتهم فإذا به يصفها بكثير من التقزيم والتضعيف، وأن الواسطة لعبت في ذلك دوراً كبيراً وهكذا دواليك. إن غياب وضمور الإنسانية فينا باب يفتح لتلك الصفة السلبية بالظهور والبروز والسيطرة. وإن المتمسك بالأنا/ EGO بشدة والمتقبل لها في طرائق عيشه يكرر ذلك السيناريو القديم لما حدث من نقاش بين الشيطان وسيدنا آدم عليه السلام، عندما قال {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، إننا أمام مزلق خطير وجرف هاو سحيق لكل من رفع شعار الأنا بتقديس / انتفاخ، سواء كان ذلك باسم الكبر أو الغرور أو التشاوف أو التعجرف، ذلك أن كل ذلك مما اتفق عليه أهل الوعي والمعرفة والحقيقة بأنه مذموم غير محمود، فلماذا علينا الحذر من تقديس وانتفاخ الأنا / Ego؟ لأنه مفتاح الشرور ومجمع قبائل السلبيات وباعث الاغتراب، وحيث نتحدث عن هذا الأمر فلا بدّ من الإشارة إلى قدوتنا سيدي محمد صلى الله عليه وسلم الخالي تماماً من تلك الصفة، فنجد عدة نصوص في أحداث حياته تبين لنا كيف أنه تعامل في عدة مواقف بدون أي ego/ تكبر/ غرور/ تشاوف / عجب كيف لا؟ وهو صاحب المكانة الرفعية والرجل الأول بلا منازع، فعن أنس بن مالك قال: (كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من ماللله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله ثم ضحك ثم أمر له بعطاء)، فتأملوا بردة فعله! وليس ذلك وحسب بل إنه انتقل إلى سلوك الضحك المرتبط بالأفكار والمشاعر العالية، فلأنه عليه السلام مثال عال للأفكار النورانية والمشاعر الجميلة والسلام الكامل في داخله تحوّل كل ذلك إلى ممارسة سلوكية جميلة وهي الضحك ولم يتوقف عند الضحك بل تجاوز ذلك وحقق ما يريد فأمر له بالعطاء.
إن الأمر مرتبط بشكل وبآخر بالوعي ومقدار صحة الفهم والإدراك وسلامة التقدير لمواقف الحياة والاستعداد للعيش الطيب، وعلى مقدار فقد شيء من كل ذلك على مقدار إمكانية استجلاب الدائرة الخطرة التي يمكن أن ندخلها، وإليكم أحد النماذج القاتمة لمن تلبّس برداء الأنا وسمح لها بأن تنتفخ، فعن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، (وفي نموذج آخر لا يقل قتامة عن النموذج الأول قال عليه السلام: ( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر) إنه مشهد مخيف وسيناريو مقلق وما كان هذا السيناريو وغيره مما ماثله إلا لنوقد قناديل الإنسانية بدواخلنا حيث الطيبة والجمال والتواضع والحب والسلام والعطاء والبساطة.
وقد قال إيليا أبو ماضي:
يا صاح إنّ الكبر خلق سيئ
هيهات يوجد في سوى الجهلاء
إننا فعلاً أمام تحد كبير في تربية أفكارنا ومشاعرنا، وإن أحد طرق تلك التربية الانسجام والتناغم مع ترددات الكون إلاهية الخلق؛ والتي ليس من بينها ترددات الكبر والغرور والانتفاخ والتعجرف والتشاوف ولابد من إدراك إنني كلما انشغلت بتربية نفسي كوني المسؤول الأول والأخير عنها تطويراً وتغييراً إيجابياً وبنيت مفاهيمي الواعية حول ذلك، كلما ارتفعت لدي هندسة الأقدار الجميلة والعيش الطيب. إنك ما لم تكن واعياً (بأناك) فسيكثر خطاك. ثم إن من مسائل التربية العميقة البقاء في ترددات التواضع كما كان أولئك العظماء إبراهيم ومحمد وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وها هو سيدنا محمد عليه السلام يذكر أن النار إنما هي للمنتخفة أناهم ففي الحديث: ( احتجت النار والجنة فقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون). ومن محامد التواضع هذا النص عن رسول الله حيث قال: (إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ)، وقال أيضاً: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وكل هذه التوجيهات الهادئة إنما هي لنأخذ أنفسنا بهدوء ولطف إلى حيث دائرة الإنسانية الواسعة ونربي أنفسنا على ذلك مبتعدين في نفس الوقت عن كل ما يساهم في النفخ والتقديس لتلك الأنا.
اللهم أيقظ الإنسانية في دواخلنا وأنر بصائرنا وأهدنا سبل السلام
عبدالرحمن العواد الشمري - المستشار في الشؤون الاجتماعية
@Ask_alshammari