خالد الدوس ">
لا شك إن مظاهر التغير الاجتماعي الواسعة التي يمر بها المجتمع السعودي.. وتحولاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السريعة التي يشهدها في واقعه المعاصر نتيجة التحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي أدت، بالتالي إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد والقيم المستوردة,.. ومعروف أن أي تغير يطرأ على أيديولوجية المجتمع لابد أن ينعكس على الظواهر والمؤسسات والنظم الاجتماعية.. بما فيها النظام الأسري وعلى حياة الناس أنفسهم ونظرتهم إلى المجتمع, والتغير الاجتماعي..، يعد من السّمات التي لزمت الإنسانية منذ فجر نشأتها حتى عصرنا الحاضر، لدرجة أصبح التغير معها إحدى السّنن المسّلم بها، وهذه التغيرات الاجتماعية، والتحولات الثقافية السريعة التي يشهدها مجتمعنا السعودي في واقعه المعاصر.. ألقت بظلالها على النسيج الأسري ومكوناته, وعلى كثير من الاتجاهات السلوكية والقيمية والفكرية.
فبرزت على السطح الاجتماعي بعض الأمراض الاجتماعية والأسقام الفكرية.. ولعل من الظواهر السلبية التي تمخضت من رحم هذه التحولات المجتمعية وإرهاصاتها داخل البناء الأسري ما يسمى بـ(الخيانة الزوجية).. وهي تعني في مفهوم علم الاجتماع الأسري «إقامة علاقة غير شرعية يقيمها أحد الزوجين مع طرف ثالث وتأخذ عدة مظاهر وإشكال.. كالمحادثات الهاتفية والأحاديث الغرامية, والرسائل عبر الهاتف المحمول وتبادل المشاعر المزيفة, والصور الفضائحية عبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعية, والخلوة المكانية التي تجري على سبيل العشق والغرام, «ولا يخلو رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما»!.
ولاضير أن الخيانة الزوجية كمرض نفسي اجتماعي تشتكي من مثالبه كل المجتمعات العربية. ولكن تختلف نسبها وارتفاع معدلاتها من مجتمع إلى آخر, والأكيد أن مجتمعنا السعودي يعاني من وجود مثل هذه السلوكيات الشاذة والقيم المنحرفة, وهي أشبه بخنجر قاتل في قلب أي علاقة زوجية.. ينهكها ويهلكها.. فتسقط أعمدة الكيان الأسري وبالتالي خلخلت توازنها النفسي والعاطفي والاجتماعي.. والانتهاء أخيراً بالطلاق بين الزوجين.. وهذا تؤكده سجلات المحاكم التي تعاني من دعاوي الطلاق بسبب آفة الخيانة الزوجية وغيرها من الأسباب, كجريمة كبرى يرتكبها الأزواج والزوجات في حق أنفسهم أولاً ثم حق شركائهم في الحياة الأسرية.. وهي بالطبع تمثل خروجاً عن القواعد الشريعة والمعايير الاجتماعية الأصيلة. أو ما سماها عالم الاجتماع الفرنسي (إميل دوركايم) باللا معيارية أو الانوّميا..!! وترجع أسباب الخيانة الزوجية في مجتمعنا الفتي إلى ضعف الوازع الديني، كما تدخل فيها العديد من العوامل.. ومنها (العوامل الاجتماعية) المتمثلة في المشكلات الأسرية والخلافات الزوجية، كما أن عدم اهتمام الزوجة بنفسها وإهمالها لمظهرها ربما تدفع -ميكانيكا- الزوج إلى السقوط في براثن الخيانة,.! كما إن بعض الأزواج يشعر بالملل من الحياة الزوجية وإنها أصبحت روتينية ورتيبة بسبب انشغال الزوجة بالهموم الأسرية وشئون البيت قد تدفعه إلى خيانة زوجته بحثاً عن إشباع فراغه العاطفي ودغدغت مشاعره الجنسية..! كما أن (العوامل النفسية) تلعب دوراً كبيراً في انتشار مثل هذه المظاهر المرضية..كفقدان التوازن العاطفي بين الزوجين، ووجود خلل وظيفي في التنشئة النفسية والاجتماعية والتربوية والعقلية للزوج، وهناك بعض الأزواج -مع الأسف- يمرون بمرحلة المراهقة المتأخرة في منتصف العمر فتدفعهم مشاعر المغامرة والجرأة والرغبة في تجديد شبابهم بتلك الممارسات الساقطة والتصرفات الرخيصة. وأيضاً تدخل (العوامل الثقافية) في عمق المشكلة, وتحدياتها التكنولوجية, خاصة مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعية بإيجابياتها وسلبياتها، وانتشار الفضائيات والمواد التلفازية الإباحية اللا أخلاقية.
تلك المعطيات التقنية والوسائل الحديثة..لا جرم ساهمت في انتشار مرض الخيانة في الحياة الزوجية وتغذية موجتها المدمرة للقيم والمبادئ التربوية. وفي هذا السياق أظهرت دراسة جديدة لمؤسسة مؤشر الإنترنت العالمي في لندن. كشفت عن أن الخيانة الزوجية هي العنوان الصارخ للعلاقات التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على (الإنترنت), كما عنونت صحيفة لوموند الفرنسية بعنوان مؤداه «الإنترنت أعطت للخيانة الزوجية أجنحة جديدة وفتحت الباب أمام الراغبين في الخيانة الزوجية وسهلت نقل بضاعتها الفاسدة»..!! ولذلك من الأهمية بمكان الاعتراف بمخاطر وآثار هذه المشكلة المجتمعية على البناء الأسري ووظائفه المختلفة.. والحد من اتساع دائرتها المظلمة.. والاعتراف نصف الحل..!! والنصف الآخر تفعيل دور المؤسسات الدينية من خلال المنابر الإعلامية أو خُطب الجمعة.. خصوصاً وأن هناك دراسة متخصصة أظهرت معطياتها العلمية أن تأثير خُطبة الجمعة في إيصال المضمون والتوجيه والإرشاد الأسري والتوعية المجتمعية أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز, كما أن (المؤسسات الإعلامية) المختلفة لها حراك بنيوي في رفع سقف الوعي الأسري وتنمية اتجاهاته الحضارية والثقافية والقيمية في المجتمع، والنهوض بقالب الندوات الفكرية التنويرية والملتقيات العلمية التوعوية, وورش العمل الثقافية من المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية والمجتمعية.. لتأصيل (الوعي) ونشر مفهومه في الحياة الزوجية وتحقيق الأمن الأخلاقي والفكري.. وهما يمثلان «صمان أمان» للكيان الأسري وحمايته من الخيانة الزوجية وغيرها من الأمراض الاحتماعية.
- باحث ومتخصص في القضايا الاجتماعية