رمضان جريدي العنزي
حقائق مفزعة، تكاثرت بالانشطار، كما تتكاثر الخلايا السرطانية الخبيثة، إنها بعض القنوات الفضائية، وبعض مواقع التواصل الاجتماعية، وبعض مواقع النت الإعلامية الأخرى، التي تحوَّلت إلى بؤر فتنة، وخراب ديار وفساد، إنها الحقيقة المرة عندما تجتمع هذه الخلايا كلها لتدق نواقيس الخطر والتشرذم...
...كان من المفترض أن تكون هذه القنوات والمواقع الإعلامية وأجهزة التواصل الاجتماعي عاملاً إيجابياً من عوامل التثقيف والتوعية والإرشاد، ووسيطاً إعلامياً نحو بناء المجتمعات المتحضرة، لكنها للأسف الشديد راحت تزرع ألغام التعتيم في حقول الظلام، وتنثر بذور الجهل في ليل التخلف الدامس، فتحوّل معظمها إلى منابر لنشر ثقافة الترفيه الرخيص، وتسفيه عقول الناس وأحلامهم، أو لترويج السحر والشعوذة، ونشر الغيبيات المنبعثة من مستنقعات الدجل والخرافة، ناهيك عن انضمام الكثير منها إلى الجحافل التي تطوعت، في هذه المرحلة القلقة الحرجة، للقيام بمهام الشحن والتحريض، وإثارة النعرات الطائفية، وإنتاج فقه التفكك والتباعد والتناحر، لقد تخلت كثيرٌ من هذه المنابر المتنوعة بكل أشكالها وألوانها نهائياً عن رسالتها الإعلامية الهادفة السليمة، وذهبت بعيداً في تطرفها، فانغمست في البحث عمّا يفرِّق الناس، ويصيبهم بالسقم والوهن والتباعد، لا عمّا يجمعهم ويلم شملهم ويرص صفوفهم، لقد وصل الأمر ببعضها إلى درجة التحريض على القتل والهدم والحرق والإبادة على الهوية، وانحرفت أبواق الفتنة باتجاه نشر الكراهية والبغضاء، ووجهت بوصلة النزاع باتجاه أكثر المراحل قتامة في التاريخ الإسلامي والإنساني، وظهرت علينا منابر طائفية من كل لون وصنف ونوع، منابر تكفيرية موتورة ومغالية إلى درجة التخريف والإسفاف، وأخرى تتستر بالحياد الفكري لإخفاء تعصُّبها وتطرُّفها، فاشتركت جميعها في خلق حالة خطيرة من الاحتقان والتراشق، وتبادل الاتهامات، وإذكاء نيران الأحقاد الدفينة، من دون أن تعير اهتماماً بما حل بالأمة من ويلات ونكبات ومصائب ومحن, أو بما يُحاك ضدها من مؤامرات معادية للإسلام والمسلمين، إنها منابر تشنُّج وتعصُّب وتطرُّف ولا تخدم الحق والهدف والحياة السوية والإنسان، إن بعض هذه المنابر تتلقى الدعم والإسناد من جهات مشبوهة لتواصل بث سمومها تجاه الأمة، وتستمد قوتها من الأموال الطائلة التي تتلقاها في الخفاء، فهناك دائماً من يدفع لهؤلاء، ويغدق عليهم العطاء، ليسخنوا الأجواء تمهيداً لارتكاب أكبر مجزرة طائفية تستهدف الإسلام نفسه، إن من يُتابع ما تبثه هذه المنابر العوراء المتطرفة من سموم وأحقاد، سيكتشف بنفسه بأن هناك قوى خفية تعمل على تأجيج الصراع الطائفي، وتسعى لتشويه صورة الإسلام، وإظهارنا أمام العالم كأمة ممزقة متناحرة مفككة.
في الأخير أقول: ألا يكفينا ما يجتاحنا من أخطار خارجية لنغذيها بما تضيفه إلينا أبواق الفتنة من عبوات فكرية ناسفة، قد تفجّر الأوضاع في حرب طائفية محتملة - لا سمح الله -، لا تُبقي ولا تذر، وليس فيها منتصر، بل كل الأطراف فيها مهزومة ومخذولة.