د. عبد الله المعيلي
واهم بل مخطئ من يظن أن المسلم المنتمي للدين الإسلامي الحنيف، ويدين به معتقداً ومنهاج حياة، أن مسؤوليته مقتصرة على حدود بلده الجغرافية فقط، البلد الذي ينتمي له هوية بحكم الجغرافيا، هذا في عموم المسلمين قاطبة أينما وجدوا وحلوا، وتتأكد المسؤولية وتجب تبعاتها على المسلم العربي تحديداً بحكم اللغة، فلغته العربية هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، وبالتالي فهو الأقدر والأجدر والأولى بنشر رسالة الإسلام وتبليغه لكل إنسان على وجه هذه الأرض، فاللغة العربية التي يتكلمها العرب، لغة فصيحة جميلة، عديدة دلالات لفظها، عميقة معانيها، لا يقدر عموم الأعاجم على التخاطب بها، وتحمل مسؤولية نشر الإسلام وتبليغه.
وتتأكد تبعات المسؤولية على أبناء هذه البلاد الكريمة، المملكة العربية السعودية، بحكم ما حبى الله المملكة واختصها به من وجود الحرمين الشريفين في حدودها الجغرافية، فلمكة المكرمة، وللمدينة المنورة في وجدان كل مسلم في شتى بقاع هذه الأرض، مكانة خاصة، وقدسية مستحقة، نال بموجبها الإنسان العربي عامة، والسعودي على وجه الخصوص، التقدير والاحترام، بل وصلت الحال ببعض المسلمين أنه يعد كل عربي مسلم من سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فهو طاهر مطهر، قدوة حري أن يقتدى به في كل أفعاله وأقواله، وأن يسمع له، وأن يقتدى بسلوكه، وينفذ ما يأمر به وينهى عنه.
ومن هذه المسؤولية العظيمة، والمكانة الرفيعة للإنسان العربي التي اكتسبها واستحقها بفضل كون آخر الرسالات بلغته، حيث لم يكن قبلها شيئا مذكورا، فبفضل هذه الرسالة الخالدة تربع في جدانات المسلمين عموماً، حباً وتقديراً واحتراماً.
ومن هذا المنطلق، يتأكد الدور الأممي الذي لا مسوغات منطقية ولا عقلية للتخلي عنه، أو القصور دونه، أو النكوص عنه والانكفاء على الذات في حدودها الجغرافية الضيقة، بل يعد التخلي والتقصير والنكوص ردة عن أمر ارتضاه الله سبحانه وتعالى وقرره، وسيترتب على التخلي والتولي فقدان للمكانة والمنزلة التي أعلت من شأن العرب، وبموجبها حصلوا على شرف تحمل واجبات التكليف، وبحكم اللغة، مسؤولية تواصل نشر الإسلام في كل بقاع الأرض، وإحيائه في نفوس المسلمين وربطهم بمصادره الشرعية المعتبرة.
قفوا مع هذه الآية وتأملوها، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (44) سورة الزخرف، إن كون القرآن نزل باللغة العربية يعد شرف لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولقومه من قريش والعرب عامة، ويقتضي هذا الشرف الرفيع القيام بحقه، والعمل فيه، وبتعاهد نشره وتبليغه للبشرية عامة، ومما يؤكد عظم دور العرب ومسؤوليتهم الأممية تجاهه، قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } (1) سورة الفرقان، أي بالإنذار والإبلاغ، وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...} (158) سورة الأعراف، وقاله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء، كل هذه الآيات وغيرها تؤكد على عالمية الإسلام، وهذا يقتضي حتماً التواصل مع كل الأمم على هذه الأرض، فأممية الانتماء ليست خياراً يقبله العرب أو يرفضونه، بل هو تكليف يوجب التفاعل والتفعيل.
إن كون إحدى التنظيمات الحزبية التي نختلف معها فكراً وممارسة ترفع شعار الأممية، لا يعني التسليم لها، وجعلها المرجع له، المتحكمة فيه، المتصدرة له، بل يجب على المملكة حكومة وشعباً، تسنم زمام المبادرة والإصرار عليها كون المملكة تمثل الإسلام وتجسده -ولله الحمد- عقيدة صافية، وممارسة ثابتة على الحق وفق المصادر الشرعية المعتبرة، ومما يزيد من المسؤولية تجاه الأمم الأخرى، ما تحظى به المملكة وعلمائها عند الشعوب الإسلامية عامة من حب وتقدير وإيمان، وهذا لا يتعارض مع الوطنية البتة، بل يعد من متمماتها ومكملات تحقيقها.