عروبة المنيف
مقال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف بعنوان: «الجار قبل الدار» والذي نشر في صحيفة السفير اللبنانية يعكس الهجمة الدبلوماسية التي يقوم بها وزير خارجية أمريكا جون كيري من أجل تقريب وجهات النظر بين دول الخليج «السعودية على الأخص» وإيران،
وذلك تسويقاً للاتفاق النووي الذي تكافح أمريكا لإنجاحه والترويج له وذلك بالطبع من أجل مصالحها في الدرجة الأولى.
لقد استمرت القطيعة بين أمريكا «الشيطان الأكبر» وبين إيران «محور الشر» منذ عام 1979، وانتهت تلك القطيعة والعداوة بتقريب وجهات النظر بين الطرفين وحل الأمور التي كانت عالقة بينهما، وتم توقيع اتفاق فيينا في يوليو 2015 من أجل ضبط برنامج إيران النووي وعادت الأمور إلى مجراها من أجل المصالح المشتركة والتعايش السلمي.
إن الصحوة الإيرانية بأهمية «الجيرة» في الوقت الحالي من الممكن أن تثير الشكوك والريبة في دول الجوار وعلى الأخص «دول الخليج»، كيف ظهرت الصحوة الآن وهل لتوقيع الاتفاق النووي وللمساعي الأمريكية دور في هذه الصحوة؟ وكيف اكتشفت إيران فجأة بعد خمسة وثلاثين عاماً من خلق القلاقل والحروب بالوكالة لدول الجوار بأهمية» الجيرة» وبأن أمانها من أمان جيرانها، كما أوضح ظريف في مقاله!.
لقد عرض ظريف في مقاله الصلح وعرض التعاون المشترك بين «دول الإقليم»لحل مشاكل المنطقة المتعلقة بالإرهاب والحرب في سوريا واليمن والذي أكد فيه أن أمن طهران من أمن المنطقة.
لم نعهد لغة التسامح والتصالح والتودد من إيران، هل هي المساعي الأمريكية؟!، وهل إيران راغبة فعلاً في استقرار المنطقة من خلال التعاون المشترك ؟!، هل إثارتها للقلاقل والحروب في المنطقة كان نكاية بأمريكا وضرباً لحلفائها في المنطقة وبإبرام الاتفاق انتهى السبب؟
لندع الشكوك جانباً ونحسن الظن بالجار «الذي جلب الويلات لجيرانه منذ استلام الملالي للحكم سنة 1979» ونمد يدنا له حيث مدها إلينا، فها هي أمريكا «القوة العظمى» تتجاوز خلافاتها وعداواتها مع إيران، وتفتح صفحة جديدة ولا سيما أن إيران استجابت لشروط الاتفاق المبرم مع أمريكا وتحلحلت الأمور فيما بينهم.
الكرة الآن في ملعب دول الخليج «السعودية تحديداً» لقد مدت إيران يد الصلح لها ودعت إلى بدء صفحه جديدة من العلاقات الدبلوماسية والتعاون المشترك.
إن المبادرة الإيرانية في ظل الأزمة الحالية من حروب واقتتال تتطلب من حكومات دول الخليج كسر الحواجز وبدء المفاوضات للوصول إلى اتفاق إقليمي ينقذ المنطقة من ويلات الحروب والإرهاب وما تجلبه من فقر ومرض وجهل وتشريد وتخلف.
اقترح ظريف في مقاله أن تكون نقطة بداية هذا التعاون الإقليمي هي التفاوض لإنقاذ اليمن وإيجاد مخرج لما يجري فيه، إنها رسالة مباشرة إلى السعودية، لقد أصبحت السعودية في مركز القوة وبنفس الوقت في موقف حرج إذا رفضت التفاوض!.
إن تجاوز خلافات الماضي والجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران أصبح في الوقت الحالي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وخصوصاً في ظل المبادرة الإيرانية وذلك من أجل تحقيق المصالح الإقليمية والدولية، ولا سيما أن هناك بادرة انفراج وتحركات دبلوماسية سعودية أمريكية روسية في الدوحة لبحث التطورات الإقليمية ، ولربما تكون مفاوضات حرب اليمن بين إيران والسعودية هي المفتاح المنقذ لإخماد حريق المنطقة وللقضاء على طاعون الإرهاب.
ستظهر النوايا في المفاوضات حيث الثقة في حكومة طهران في أدنى مستوياتها من قبل دول المنطقة والسعودية تحديداً، واستعادة تلك الثقة ليست بالسهولة، ولكن المصالح واستقرار المنطقة يتوجب علينا حسن الظن بالنوايا وشتان ما بين محاولة إصلاح الدمار والخراب الذي حل بنا وبين استمرار التصلب والعداوة والاقتتال ، فالوضع يتطلب التضحية والمحاولة ولربما تكون فاتحة خير ويكون هناك تعاون إقليمي بين إيران ودول المنطقة تستفيد دول المنطقة فيه مما حققته إيران من تقدم نووي ومن مكتسباتها في اتفاق فيينا.
وأختمها بقول العزيز الحكيم {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.