اللواء الركن م. الدكتور/ بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود ">
بداية، أؤكد، بكل فخر واعتزاز، أن عنوان مقالي هذا مقتبس من كلمة أخي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، مستشار خادم الحرمين الشريفين التي سجلها في سجل الزيارات، إثر افتتاحه معرض (الفيصل.. شاهد وشهيد) مساء الاثنين 11/10/1436هـ، الموافق 27/7/2015م، بمتنزه الردف بمحافظة الطائف.. الطائف التي كان الشهيد الفيصل يؤكد دائماً أن الحديث عنها شيء يغذي الروح. وقد اشتمل المعرض على صور فوتوغرافية نادرة للراحل الشهيد البطل الفذ، الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، طيّب الله ثراه، إضافة إلى مشاهد متحركة ولقطات مرئية توثق مراحل متعددة في مسيرته، بجانب عدد من المخطوطات والنصوص المكتوبة وبعض مقتنياته الخاصة التي ما تزال مترعة بعبق رائحته الطاهرة الزكية.. ويحكي هذا الجهد المقدر جانباً مهماً من قصة كفاح الفيصل البطل، ومواقفه الشجاعة الحكيمة الرشيدة المشرّفة، من كافة القضايا على جميع المستويات، المحلية والإقليمية والعالمية، في لمسة وفاء صادقة لهذا الرجل الكبير، الذي حفر اسمه في ذاكرة العالم بماء الذهب، قبل أن يغادرنا إلى دار الخلود، من كل القائمين على المعرض، وفي مقدمتهم أخي الأمير خالد الفيصل، راعي المناسبة، وأخي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، المشرف العام على المعرض.
أقول.. اقتبست عنوان مقالي اليوم من كلمة خالد الفيصل، نجل الشهيد الراحل العظيم، ومن أبلغ بيننا اليوم لساناً من (أبو بندر) الشاعر الفحل الذي تغنى بأروع حروفه المعبّقة بالصدق والمحبة والإخلاص والوفاء لهذا الوطن الشامخ العزيز الغالي، ولقادته من أجداده وآبائه الكرام (حنّا العرب، ياوطن، هل التوحيد، سلام يا فيصل، صفوة ملوك العرب، سلطان المواقف... إلخ) هذا فضلاً عن رائعته (أوبرت التوحيد) الذي ما يزال معظمنا يحفظه عن ظهر قلب:
عبد العزيز، يا منية الأبطال في اليوم العظيم
عبد العزيز، يا دعوة المظلوم في الليل البهيم
كما عبّر (دايم السيف) في أكثر من مناسبة عن هذا الحب الصادق لربعه وعشيرته، والوفاء الدافق لإخوته وبني عمومته، ويكاد معظمنا يحفظ كثيراً من أشعاره في هذا المجال (وزن الحكي، يا خوي، يا جريح القلب، أخوي سعود وغيرها كثير، ولاسيما قصيدته الأخيرة الباكية: رحيل سعود، التي رثى فيها فقيد الجميع، سعود الفيصل). كما فاخر خالد دائماً بأبناء وطنه، خاصة أسوده الأشاوس، الذين أذهلوا الدنيا في (عاصفة حزم) أخرست الألسن، وأعادت للعرب مجدهم التليد.
والحقيقة، بلاغة (أبو بندر) ليست في حاجة لشهادة أحد، إذ لم تكن محصورة في الشعر، بل هو في النثر أبلغ وأفصح لساناً من كثير ممن يسمون نفسهم أساطين البلاغة، فمازال صدى كلماته البليغة المقتضبة، المشحونة بمعان عديدة، يتردد في أسماعنا، بل سوف يظل كذلك إلى الأبد، كوالده الشهيد البطل تماماً الذي كان يؤكد دائماً أن الأمم لا تتطور بالخطب الرنانة والمظاهر الكاذبة والبرامج الفارغة، بل بالأقوال الصادقة والأفعال الجادة.. وكلنا يذكر تلك الكلمات المميزة النادرة التي لا يجيدها غير (دايم السيف)، أمام والدانا وقائدنا، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، في جائزة الملك فيصل العالمية في دورتها الأخيرة التي كانت إنذاراً بـ(عاصفة الحزم) لكل من كانت له قدرة على التحليل وقراءة ما بين السطور (الأمر جلل.. في الكون خلل.. والصبر ملل.. إنه يوم العزم والحزم والثّبات... إلخ) وكلمته أمام المقام السامي الكريم، أثناء استقباله له في مكة المكرمة مؤخراً: (الحمد لله الذي أسكننا بجوار بيته، وأنزل بلغتنا آخر كتبه، وبعث فينا آخر أنبيائه ورسله) ثم يستطرد في أسلوبه البديع البليغ مرحباً بالمليك المفدى: (مرحباً بك عدد ما أذّن مؤذن مكة، وعدد ما ارتمت موجة في حضن جدة، وعدد ما قبّلت نسمة في الطائف وردة) إلى غير ذلك من كلماته الفصيحة البليغة في وداع عسير وسوق عكاظ، الذي كان والده الفيصل البطل الشهيد، أول من اكتشف موقعه وحدّد مجاله، إذ كان شغوفاً بالتاريخ والأدب، وحريصاً على إحياء التراث الفكري والثقافي، وغيرهما من المناسبات. وفي إحياء خالد الفيصل اليوم لهذا الإرث الثقافي العتيد النيّر، وفاء للوالد المعلم وللوطن والأمة.
وصحيح.. خالد الفيصل شاعر فحل، وأديب أريب، ومثقف راقٍ، ومواطن من طراز فريد، مخلص لهذا الوطن وقيادته الوفية، غير أنه مع هذا كله، إداري فذ، له صبر وجلد على العمل يفتقده كثير منّا اليوم، فهو لا يرى لوطنه مكاناً في غير العالم الأول، فيصبح بهذا، مع شقيقه الراحل، سعود الفيصل، الوزير الاستثنائي الداهية العبقري، ومن قبلهما أخوهما الأكبر عبدالله الفيصل، شاعر الجمال، الذي إن لم يكن له من أثر أدبي غير (وحي الحرمان) لكفاه فخراً، وبقية إخوتهم الكرام، أحد هبات الفيصل العظيم لهذا الوطن العزيز.
وصحيح أيضاً أن الأمير تركي الفيصل تحدث عن بعض جوانب البطل الفيصل.. شهيد الإسلام والمسلمين، فتجولنا معه في مدينة الورد بين شهار وغدير البنات، وبساتين المثناة وبساتين جبرة، وجلسنا معه على دكّة الحلواني، نراقب قوافل الجمال تسير على الطريق الذي يعرف اليوم بـ(طريق الهدى)... إلخ. فأثارت تلك الذكريات في نفسي الشجون، وحفزتني لكي نطل معاً على سيرة هذا البطل الفذ في هذه العجالة، التي أعرف يقيناً أنها لن توفيه حقّه علينا، مهما بذلنا فيها من جهد متواضع للبحث والتنقيب في تلك السيرة العطرة التي حفلت بإنجازات عظيمة، ومواقف حاسمة، لما اتصف به صاحبها من خصال نبيلة وصفات كريمة.
فإذا كان كل من سبقني للكتابة عن هذا الرمز الفذ ممن عاصروه قد عجز أن يوثق لنا كل أعماله العظيمة فيما كتبوه من مجلدات أو كتب أو مقالات ومقابلات، فقطعاً لن يتسنى لمجتهد متواضع مثلي أن يحيط بكل شاردة وواردة في حياة قائد همام، كالشهيد الفيصل الذي يعد أحد أعمدة هذه الدولة الأساسية التي تستند عليها إلى الأبد إن شاء الله. ولهذا، لا يعدو ما تجدونه هنا من سيرته العطرة عن كونه وشلا من بحر، وثمدا من قطر، وربما تيسرت لنا عودة قريباً إن شاء الله، لمزيد من البحث والتحليل لشخصية الفيصل العظيمة الجامعة، وما خلفته لنا من إرث عظيم جامع أيضاً.
أجل.. كان الفيصل، طيّب الله ثراه، قائداً فذّاً، وفارساً مغواراً، وبطلاً هماماً، وعربياً خالصاً، ومسلماً صادق الإيمان، شديد الاعتزاز بعقيدته وعروبته، واثقاً بربه، متوكلاً عليه في كل شؤونه. يتمثل دائماً قول أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، الذي كان يطمح الفيصل إلى إحياء عهد خلافته: (نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزّة من دونه أذلنا الله).
وكان بجانب هذا ذكياً عبقرياً، حكيماً، أجمع كل من كتب عنه على حكمته وبعد نظره ورويته في معالجة الأمور المعقدة، ولاسيما تلك التي تتصل بمصير الأمة. ولهذا كان الرئيس الأمريكي نيكسون، صادقاً عندما خاطب الفيصل: (لقد جئت أتعلم الحكمة من جلالتكم). عادلاً، طالما جاهر في مجالسه التي يغشاها عامة الناس بأنه يبرأ إلى الله من أية مظلمة تلحق فرداً أوجماعة من أية هيئة رسمية أو فرد ذي سلطان، صبوراً على المكاره، حازماً في مواجهة المصاعب، حريصاً على الشورى وسماع الرأي الآخر، لا يتشبث برأي أو يفرضه على الغير بقوة السلطان، قوي الإرادة، عنيداً في الحق، ثاقب الفكر، عذب الحديث، مرهف الحس، أمره نظرة لا نبرة، وصمته بلاغة، متسامحاً كريماً وفياً، مترفعاً عن الصغائر، عفواً، متواضعاً، متقشفاً في ملبسه ومأكله ومشربه ومسكنه، إذ لم يغير مسكنه الذي كان يسكنه يوم كان وزيراً للخارجية حتى بعد أن تولى الحكم. داهية، هادئاً، كثير التأمل والتفكر، عفيف اليد واللسان، يكره الكذب والنفاق والفساد والتواكل. شغوفاً بالتاريخ والأدب والشعر.
أجل.. كان فيصل العرب ملكاً عبقرياً، إنساناً، معلماً، أباً حنوناً لشعبه، قائداً واعياً، سياسياً فذاً، رائداً للخير.. كان الجهاد خدينه، والإباء إهابه، والصفاء طبعه، والأمل عنده العمل، وملاذه الله، ونجواه التسبيح، وصلاته الإيمان، وكان خشوعه وابتهاله للمغفرة. فكساه الله الهيبة والوقار.
وبالجملة:كان الفيصل ملكاً فريداً، ملأ الدنيا كلها بمآثره وفضائله وما حققه لوطنه وللعرب والمسلمين من إنجازات عظيمة، وما ساهم به من جهد يشكر فيذكر، من أجل إرساء السلم والأمن في العالم وتحقيق العدل والحرية والمساواة للشعوب المقهورة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من بلاد الله الواسعة.
نقل العرب من التفكك إلى التضامن، ومن الاتكال إلى العمل، وحقق في عهده أعظم وحدة إسلامية وتعاون إسلامي عرفه المسلمون. أما قضية فلسطين فكانت همّه الأكبر وشغله الشاغل، وكان قلبه معلقاً بالقدس الشريف، ولهذا كان دائم الدعاء لربه سبحانه وتعالى أن يصلي في مسجد عمر بمدينة القدس بعد تحريرها. وطالما أكد للغرب أنه لا سلام في الشرق الأوسط ولا أمن واستقرار في العالم، إلا بإعادة حقوق العرب وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وتحقيق سلام عادل شامل. كما أكد للرئيس الأمريكي إيزنهاور: (استقرار الوضع في المنطقة، وإنهاء الصراع، وإعادة الطمأنينة والثقة، يتوقف على حل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً). وليت العرب والمسلمين أجمعين، وقبلهم إخوتنا الفلسطينيين، أدركوا تلك الحقيقة الراسخة التي خلدها الفيصل فيما يتعلق بقضية فلسطين، عندما قال لـ(بيفن) وزير خارجية بريطانيا: (حل قضية فلسطين، لن يكون في هيئة الأمم، وإذا انتقلت إلى منابرها، يصبح حلها مستحيلاً، وعليه نطالب بريطانيا أن تتعاون مع الجامعة العربية للخروج بحل عادل يضمن للمنطقة أمنها واستقرارها).
أجل.. ليت الجميع عمل بهذا الفهم المتقدم للواقع الذي أكده الفيصل، حتى نتفادى ما نعيشه اليوم من تطرف وتحزب وتشرذم واصطفاف أشعل النار في كل مكان، حتى الغرب الذي كان يظن أنه في مأمن، يعاني اليوم معنا الأمرين، ويدفع الثمن باهظاً، بسبب كيله بمكيالين، وعدم اهتمامه لحقوق المظلومين والمضطهدين من شعوب العالم الثالث.
فلا غرو إن أدهشت شخصية الفيصل زعماء العالم في الغرب قبل الشرق، وفي الشمال قبل الجنوب، من الملكة أليزابيث الثانية وإيزنهاور ونيكسون، إلى بومبيدو والجنرال ديغول، الذي أكد رأي الفيصل، حكيم العرب، فيما يتعلق بقضية فلسطين، إذ قال متحدثاً عن الفيصل: (العاهل السعودي، شخصية فذّة، يقيس الأمور بمقياس المعرفة والخبرة، اطلعت من خلال الحوار مع جلالته على جذور القضية العربية التي يدافع عنها من زاوية التاريخ ومصير شعب فلسطين، القضية عقّدتها مسرحيات هيئة الأمم، وزادها تعقيداً الصراع الروسي - الأمريكي في الشرق الأوسط، وعلى أساس التجارب مع منطق الحق، نعيد تقييم سياسة فرنسا في الشرق الذي تربطنا به روابط تاريخية ومصالح حيوية). إضافة إلى الرعيل الأول من زعماء العرب: مصطفى النحاس، شكري القوتلي، جميل مردم، كميل شمعون، إسماعيل الأزهري، عبد الرحمن عزّام، رياض الصلح، فارس الخوري، توفيق السويدي، سعد الله الجابري وغيرهم ممن استحوذت مواقف الفيصل السياسية على إعجابهم ونالت تقديرهم، فأكدوا له عرفانهم وامتنانهم.
ولم يكن بدعاً أن تسحر شخصية الفيصل أيضاً صحفيي العالم وساسته ومفكريه وأدباءه وشعراءه وكتّابه، من دين لا سك، وزير خارجية أمريكا، إلى الكاتبة الفرنسية الشهيرة إيفافورتيه، فالمؤلف البريطاني القاضي جيرالد سبارو، وغيرهم كثير، بل حتى الكاتب اليهودي المعروف الفريد ليلينتال، لم يستطع أن يكتم إعجابه بالفيصل واحترامه وتقديره له. ولقّبه أعلام الفكر في أوروبا بـ(رجل السلام). ومنحته جامعة بيرن السويسرية ميدالية ذهبية نقشت عليها (رجل السلام.. فيصل بن عبدالعزيز) مع شهادة الأستاذيّة الفخرية في العلوم البسكلوجية.
وأجمعوا كلهم أن الفيصل من أبرز الشخصيات التي حفلت بها المؤتمرات السياسية العالمية التي تمخضت عنها الحرب العالمية الثانية، بل من أكثرها تألقاً ولمعاناً، وأقومها خلقاً واتجاهاً، وأنبلها هدفاً وغاية، وأزخرها حيوية ونشاطاً وسعياً دائباً مخلصاً لخير بلاده وبلاد العرب والمسلمين.
وتسابقت أشهر صحف الغرب ومجلاته لتتبع أخباره، فتصدرت صورته غلاف مجلة (TIME) الأمريكية التي اختارته رجلاً لعام 1974م، فكتبت قائلة عنه في تلك المناسبة: (رجل العام الذي اختارته مجلة «TIME» هذه السّنة، هو الملك فيصل بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية الذي أثرت أعماله وقراراته بشأن أسعار الزيت وكل ما يتصل به خلال هذه السنة، تأثيراً متفاوتاً على حياة كل كائن بشري على وجه الأرض تقريباً وجيبه، أما على الصعيد السياسي، فقد تميز هذا العام بتماسك متزايد في العالم العربي، وقوة متنامية، يغذيها أضخم انتقال لرأس المال في التاريخ. وفي هذا كله، أدى فيصل، الداهية المخلص لأهدافه، دوراً رئيساً).
وبالطبع، سبق هؤلاء كلهم والد الفيصل، المؤسس الباني عبد العزيز آل سعود، طيّب الله ثراه، أعرف الناس بالفيصل وأكثرهم حباً له واعتزازاً بحسن صنيعه وفخراً بإقدامه وبطولته ودهائه، إذ يقول: (كنّا على حق حين أسميناه باسم جدّه فيصل). الذي كان عبد العزيز معجباً به أيّما إعجاب، وكان يعتز بانتسابه إليه، و(ينتخي) في الشدائد والمعارك، مزمجراً: (أنا ابن فيصل). وحق لعبد العزيز أن يعجب بجدّه ويسمي ابنه عليه، فقد كان الإمام فيصل بن تركي آية في الشجاعة والدهاء والذكاء، مع دين متين وخلق كريم، وحسبه أنه استعاد ملك آل سعود مرتين بعد ضياعه، ثم ثبَّته وقواه.. وعلى طريقه جاء فيصل بن عبد العزيز يمشي، حاملاً الخير لوالده المؤسس العظيم منذ فجر ولادته الذي صادف نصراً عظيماً لعبد العزيز. فقال عبد العزيز قولته المشهورة: (تمنيت لو كان لدي ثلاثة من طراز فيصل). ويستجيب الله دعاء عبده الصالح عبد العزيز، فيهبه كوكبة نيّرة من الأبناء النجباء الفرسان الشجعان البررة، الذين حملوا الرسالة وأدوا الأمانة وحققوا أمنية والدهم في خدمة الإسلام والمسلمين وإعلاء شأن العرب.. وما عاصفة الحزم ببعيد.
رحم الله الفيصل، شهيد الإسلام والمسلمين، لقد كان عظيماً في حياته وفي مماته، وكان أحسن أسوة للعرب والمسلمين، وسوف يظل كما أكد ابنه (دايم السيف) أحد أفذاذ قادة الأمة الإسلامية، بما خلّده من مثل وقيم ونهج قومي وديني في ضمير أمته والإنسانية كلها إلى الأبد. ويكفيه من حسن البشرى، أنه مضى إلى ربه شهيداً صادقاً إن شاء الله، والشهادة أسمى قربة إلى رضوان الله وحسن مثوبته في الدار الآخرة.. وفي هذا خير عزاء عن أجلّ فقيد عاش بقلبه وفكره، كل آمال بلاده، وكل آلامها، ووعى تاريخها، وحمل رسالتها، ورعى نهضتها، وكان سيفها ودرعها، فهو في كل لحظة من حياتها، وهي في كل لحظة من حياته. أجل.. عاش الفيصل حميداً ومات محموداً بعد أن نقش حبه في قلوبنا بماء الذهب، الذي لن يبلى أبداً.
وبعد:
يا حكيم العرب وشهيد الإسلام والمسلمين، إن إعجابي الشديد بشخصيتك الفذّة، وعبقريتك النادرة، وإنسانيتك الفريدة، وإخلاصك المنقطع النظير لأسرتك وشعبك وأمتك، وإكباري لاضطلاعك الصادق بمسؤولياتك، على كثرتها وتنوعها وما اكتنفها من تعقيدات واعتراها من مصاعب.. ذلك كله وغيره كثير من صفاتك النادرة التي أعيت كل من سبقني لسبر غورها، كان عندي بمثابة نداء الواجب والعرفان والامتنان لتسطير هذه اللمحة الموجزة عن سيرتك الناصعة المشرّفة، ليتدارسها الناس في كل مكان، لأن حياة العظماء مثلك، مدرسة وقدوة للأفراد، وذكر وفخر للشعوب.
وختاماً:
لا أملك، وليتني كنت أملك أكثر من هذا، إلا أن أؤكد لكم على لسان نجلكم البار، خالد الفيصل الذي جاء يحث الخطى على دربكم، كما فعلتم أنتم وإخوتكم الأماجد في السير على درب والد الجميع، المؤسس الباني الملك عبد العزيز:
نسير في دربك وناخذ سجاياك
ونرد من هو ضد الإسلام ملطوم
نم هاني العينين حنّا تبعناك
والدار فيها لابةٍ مالهم نوم
ان قاله الله ما نضيّع لك مناك
نسجد لرب البيت في القدس ونصوم