أحمد محمد الطويان
لا يمكن أن تعرف شيئًا على حقيقته من دون تجربة نقيضه، والأمن في السعودية سمة ارتبطت بالاستقرار السياسي ولم يجرب السعوديون ما يدعو لقلقهم أو يشعرهم بالتهديد المستمر، حتى عندما بدأت العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة في العقد الماضي، وهذا يعود للثقة الكبيرة برجال الأمن، ومعرفة السعوديين بمجهودات وزارة الداخلية الملموسة. لكن عملية إرهابية واحدة تقتل وتجرح وتروع الآمنين كفيلة بإشعار الناس بأن الأمن نعمة لا تقدر بثمن،
وتظهر أيضًا الجهد الجبار الذي يبذله رجال وزارة الداخلية في الحرب على الإرهاب والجريمة، وإن ما يتم إحباطه من عمليات أكثر بأضعاف مضاعفة من العمليات التي ينفذها المعتدون.
العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت المصلين في مسجد قوات الطوارئ في عسير بينت للعالم بأن استهداف المتطرفين للسعودية أكبر مما يتخيله أحد، وأنها لا تستثني أحدًا من السعوديين في العداء والتكفير، فالجماعات الإرهابية بفكرها المريض استطاعت أن تقنع الجهلة من صغار السن المغرر بهم بأن أعمالهم تلقى الصدى والشعببة لدى المسلمين، لأن تعريفهم للإسلام اختصره بهم واختص فهمه في مرشديهم ووعاظهم، واللوم كل اللوم على من يرى ويصمت، أو يتغاضى ويتشكك، يجب الآن وأكثر شدة من أي وقت مضى أن يقف الدعاة بكل قوة في وجه من يريدون اختطاف الإسلام من قلوب المسلمين.
ننتظر من سماحة المفتي -حفظه الله- أن يأمر بتشكيل لجنة خاصة من كبار العلماء لمكافحة الإرهاب ترتبط بسماحته شخصيًا، لترصد وتراجع وتصحح، وأن يعاد النظر بأسلوب المناصحة، وبرامجها، وتطوير فكرتها الرائدة بما يخدم الأهداف الدينية والوطنية، كذلك هناك دور مهم للإعلام الأمني ننتظر تفعيله من خلال خطة تنفيذية تواكب العصر وتخاطب فئة الشباب وأهالي المغرر بهم، فالوقت الذي نعيشه بالغ الحساسية والتحديات كبيرة وتطورها مخيف.
منهج الاعتدال واضح وضوح الشمس، ولا تغطيه غيوم الفهم الخاطئ، ومن يحاول الاستفادة من الإرهاب لتحقيق مصالح سياسية الآن أو بعد حين يجب أن يواجه بحزم. والمنفذون والمحرضون يجب أن يقام عليهم الحد، (السيف الأملح) يمثل قضاء الشرع الحنيف، وهيبة دولة التوحيد، مع الأخذ بعين الاعتبار من يمكن مواجهة فكرهم المنحرف بالفكر السليم، وخصوصًا صغار السن المغرر بهم، فالمشكلة الكبرى مع المحرضين والباحثين عن استفادة سياسية.
لدينا مشكلة ثقافية بالتأكيد، والسكوت أو التغاضي عنها سيولد مشكلة أكبر لا سمح الله، ولا فائدة كما يبدو من تكرار الكلام عن محاضن الإرهاب وبواعثه الفكرية، فلا عمل يرى ويلمس على الأرض غير أعمال وزارة الداخلية المقدرة التي نجحت في مهامها وكسبت الثقة والتأييد وحققت الكثير من أجل المواطنين. هناك أدوار أخرى يجب أن تفعّل وأن تقوم بواجبها الديني والوطني في مواجهة التطرف والإرهاب، فالوقت الحساس الذي نعيشه لا يحتمل المجاملات الفارغة.. نحن في حرب حقيقية في وجه الإرهاب، وأود أن أحيي الزملاء في الإعلام السعودي على يقظتهم وقوة وقفتهم في وجه أعداء الوطن بكل جدية وإصرار.
المجتمع السعودي الواعي يقف خلف قيادته بكل ثقة ومحبة، ويعرف حجم التحديات، ويدرك أهمية التحرك لمواجهتها، وها نحن ننتصر ونحقق الإنجازات، ولكن تبقى معركة اجتماعية وفكرية تحتاج منا الكثير والكثير.