فهد عبدالله العجلان
يقال في علم الجريمة إن التحقيق يجب أن يبدأ من الأطراف المستفيدة بشكل مباشر أو غير مباشر من نتائج الجريمة، والإرهاب مجرم دولي بات يضرب أهدافه متجاوزاً حدوده التقليدية على صعيد الأهداف والجغرافيا، اللافت للنظر أن الإرهاب بوجهه المحلي بات يتماهى مع أجندات خارجية إستراتيجية بشكل فاضح وواضح وأهداف غير تقليدية في الزمان والمكان والهدف يسهل قراءتها في سلم أولويات العدو الخارجي في هذه المرحلة!
من السهل أن ننفي وجود من يغذي الإرهاب داخل مجتمعنا ونركن إلى أسباب خارجية مطلقة، كما أن ركوب موجة الأسباب المحلية لتبرير وجوده شاطئ سهل للوصول إلى تفسير قد يبدو منطقياً ومريحاً للمحلل الراصد، لكن هذا وذاك لا ينفي حقيقة أنّ الإرهاب فكراً وتطبيقاً بات جزءاً من أجندة دولية تسعى لصياغة واقع إقليمي ودولي يستفيد من بعض الثغرات لدينا لتعزيز مصالح استراتيجية لهذا الطرف أو ذاك !
حان الوقت للنظر إلى ملف الإرهاب بحزم وعزم ووضوح ومكاشفة، وأن لا يكون شاهداً على فشلنا في صياغة رؤية وطنية مشتركة تقدم مصالح الوطن وأولوياته على الجميع دون انتهازية من أي طرف، فالوطن الواحد والقيادة الواحدة حصانة حقيقية لنا جميعاً مهما تباينت الرؤى واختلفت!
داعش مهما بدا للراصدين أنها تحقق اختراقاً في المنطقة وتقدماً يقض مضجع العاقل والحليم في منطقتنا، إلا أنها مشروع تتكشف حقيقته مع كل هدف جديد له لتبني - دون قصد من مجرميها - جدار الوعي الوطني الذي تتكسر عليه كل المؤامرات، فمن استهدف نشر الفتنة الطائفية باستهداف المساجد في القديح والدمام، استهدف قبله أهدافا عدة حتى فجعنا مؤخراً باستهدافه لأهم قوة أمنية قلّمت أظافره وحاصرته حتى بات يتخفى في عباءات النسوة!
أسر شهدائنا العسكريين والمدنيين على تراب هذه الأرض الطاهرة المملكة العربية السعودية، قدموا لنا دروساُ كما قدمها أبناؤهم الشهداء من قبل، فدماء شهدائنا في كل مدينة هي الحبل الذي سيشنق رقبة كل إرهابي أو إرهابية تسعى إلى تمزيق وحدتنا التي تمثل إنجازاً تنموياً حقيقياً في فترة قصيرة من عمر الأمم، يندر أن نجد له مثالاً في العالم القريب والبعيد، ولأن المكاشفة والوضوح على رأس أولوياتنا الوطنية خلال هذه المرحلة، فلابد أن نتعلم من بَعضنَا الدروس والمواقف ونصحح مسار من تجرفه تيارات العاطفة وآلام المصائب، كنت أحدث صديقاً وأخاً لي من أهالي منطقة القطيف الحبيبة أحسن وفادتنا أنا وزملائي من مجموعة أكسفورد السعودية حين زرنا أهالي الشهداء في القديح والقطيف، وسجلت في مقال سابق عتبي على المنظمين مبالغتهم في مظاهر العزاء واقتصارهم على شعارات ورموز تعزز الانتماء المذهبي، وتغفل عن الجوامع الوطنية التي استهدفها أعداء الوطن، قلت لصاحبي القطيفي النبيل ليتك تنقل إلى المنظمين في عزاء القديح والدمام أملي في أن يستفيدوا من موقف أهالي شهدائنا في عسير، فلقد ضرب أهالي شهداء الوطن في عسير الحبيبة أروع الأمثلة في مظاهر عزاء تجاوزت منطقتهم ومذهبهم لتقدم رسالة للإرهابيين أن جراح الوطن ليست وجعاً وألماً، بل جزء من ثمن مؤجل لوطن أعطى ومازال يعطي الكثير، فكل المحبة لأهلي في القديح والقطيف وعسير وكل شبر على أرض الوطن، ولنتعلم الدروس من بَعضنا قبل فوات الأوان!