ميسون أبو بكر
«الإنسان أولاً» لم يكن شعارًا براقًا، بل هدف نبيل للرقي بالإنسان وبيئته، وأصبح طبيعيًا أن يصبح المشي متاحًا عبر شبكات ممرات للمشاة منتشرة في أنحاء المدينة المختلفة، كما أصبح منطقيًا أن تكون هناك برامج ثقافية تتضمن مسرحيات وإصدارات وفعاليات، وأصبح إيجابيًا أن تكون هناك ساحات بلدية للشباب والعوائل، وأصبح مريحًا أن يشتد الاهتمام بالتراث العمراني للمدينة».
اخترت تلك الجملة من مقدمة كتاب يعرض لبرنامج «الأنسنة» في مدينة الرياض لمؤلفه صاحب السمو عبدالعزيز بن محمد العياف الأمين الأسبق للرياض الذي قدمه نموذجًا يؤمل أن يسهم في انتشار الفكرة وتطويرها حيث إن البعد الإنساني للمدن يجب أن يكون موازيًا للتمدد العمراني ومشروعات تنمية المدن.
ومليكنا سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- تشرفت الرياض بإمارته لأكثر من نصف قرن، كان رُبَانا لمستقبلها الذي تعيشه اليوم، والابن الأمين لتاريخها وتراثها وماضيها الذي ينبض في جنباتها حتى اللحظة يذكر بالماضين وبأصالة المكان وكان مؤازرا لبرامج الأنسنة ومشروعاتها.
وفي الكتاب يوضح سمو الأمين الأسبق للرياض كيف كان الملك سلمان هو القدوة والمعلم والموجه له، حيث كان العمل تحت توجيهه أشبه بالتعليم المستمر المصحوب بالتفكير الثاقب والعمل الدؤوب والحرص على تميز الإنجاز.
وكان السؤال المهم الذي طرحه في مقدمة الكتاب الذي كان يجول في خاطره ويهمه كأستاذ في كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود ثم أمينًا لمنطقة الرياض: ولإدارة العمل البلدي للعاصمة:
ماذا عن البعد الإنساني في بناء المدينة وإدارتها؟ وهل بالإمكان تعزيزه في مراحل البناء والتنمية؟
من المهم استهداف الإنسان ساكن المدينة واستحضار وجوده وأهميته وتواصله مع الآخرين، إنه تحدي استحضار الإنسان بمكونات وجوده الاجتماعي في بؤرة كل مبادرة تنموية وعمرانية وتنظيمية تقوم بها الأمانة وهو ما توصل الأمين إلى تسميته بتعزيز البعد الإنساني في العمل البلدي في المدينة» الأنسنة» وكان سبيله إلى هذا أن العمل البلدي في المدينة هو عمل تكاملي وتنسيقي وتعاوني مع جميع القطاعات الأخرى ذات العلاقة مما ترك أثره الإيجابي على المدينة.
هناك مجموعة من السمات الأساسية المميزة لنهج الأنسنة تحدث عنها سمو الأمين، كما في الفصل الأول تناول الأنسنة والعمل البلدي حيث اعتبر أن بناء الإنسان قبل المكان هو بناء منظور جديد للعمل البلدي، ثم تطرق في الفصل الثاني إلى برامج ومبادرات الأنسنة سواء لتعزيز التنمية الثقافية للمدينة أو التنمية البيئية ومبادرات حماية المستهلك وتنشيط الأسواق الشعبية.
ثم عرج في الفصل الثالث على معايير نهج الأنسنة في العمل البلدي سواء في التحول في منظور التخطيط الحضري أو التفاعل مع الناس وفق معايير الرضا وتبني سياسات تحفيزية لدفع التغيير ثم التطوير لاستدامة نماء المدينة وتعزيز الاتصال وتفعيل آليات الحوار مع السكان.
في الفصل الرابع والأخير تطرق سمو الأمير عبدالعزيز العياف لإستراتيجية أمانة منطقة الرياض «رياض الإنسان والمكان» وهي نظرة شمولية لمستقبل بعيد المدى وأهمية التخطيط الإستراتيجي للمدن.
لقد أردت عزيزي القارئ أن تشاركني هذا الكتاب المصور من خلال مقالي هذا، بالنسبة لي كان نافذة على مصطلح أنسنة المدن، كما بذرة لحوار متعمق حول مستقبل المدينة وإنني لأشارك سمو الأمير الأمل في تعميق الآصرة الجديدة بين الناس ومؤسساتهم البلدية وأن يسهم القطاع البلدي في تعزيز صورة ذهنية للبلديات بأنها شريك للمواطن.
«أنسنة المدينة» هي تجربة خاضتها أمانة منطقة الرياض وتتجلى نجاحاتها في موازاة العمران الكونكريتي إلى التنمية الإنسانية الثقافية في المدينة التي تعد من أكبر المدن الصحراوية في العالم.
الرياض قبلة القلب.. بوصلة الروح.. وأصالة المكان والإِنسان.. وهذا الكتاب يختصر القليل من رحلة المدينة والإِنسان، ويمنح الكثير من الضوء عن مشروعات كانت أملاً وتجلت حقيقة معاشة.
من آخر البحر للشاعر الإماراتي محمد البريكي
بين مرأة دمعتي
كنتُ ظنّي
لا أبالي بما تساقط منّي
يسقط العقرب المشاغب دوما
في بدايات كل نزف
يغني
كدتُ أرمي بصورتي
من رداها
فتهاويتُ عن رداها وعنّي
قشرة تحت مائها
كان وجهي
وأنا قبل مائها لم أكـُنـي
لم تَخُنْ هذه المرايا
صباها
وأرى أن دمعها لم يخُنّي