د. محمد البشر
الجميع في مفهوم داعش مستهدف، الناس، والمساجد، والأماكن العامة، وكل ما هو قائم، وكل ما يمشي على الأرض، ولهذا فالجميع مستهدف في كل مكان وزمان، وعلينا أن نكون أكثر يقظة لفكر لم يكن خاصاً بالمملكة، فهو موجود في أوروبا، وأمريكا، وإفريقيا، وبلاد العرب، وجميع دول العالم، ولا يمكن أن ينجو من ذلك أحد.
هو فكر عجيب غريب، لكنه واقع ليس علينا إلا التعامل معه بحزم، وثبات، ومثابرة، ويبدأ ذلك الحزم من المنزل، فكلٌّ منا يعرف سلوك أبنائه وأفكارهم وتوجهاتهم، وما قد يطرأ على عقولهم من تغيّرات لأسباب مختلفة، كما أنه من اليسير على رب البيت أن يعرف أقران ابنه ومشاربهم، وتوجهاتهم السياسية والفكرية، وحتى نقلّل من ذلك الخطر الواقع لا بد من الانتباه والتعاون التام.
في الغالب أن هؤلاء قد نهلوا من ذلك الفكر منذ أدركوا، ولكنهم لم يقدموا على شيء مريب حتى يبدأ ذلك اليافع في متابعة القنوات ووسائل الاتصال، إما بالصدفة أو بالرغبة في البحث عن ذلك المجهول، أو بتوجيه من صديق، وما إن يبدأ في ذلك المنحى حتى يعيش وهماً قلّ نظيره، فهو يريد تطبيق حكم الله، ويريد الجنة بما فيها من نعيم مقيم، وقد أنسوه أن حكم الله يحرِّم قتل النفس البشرية بما فيها نفسه.
علينا أن ندرك أن هذا الفكر ليس من اليسير استئصاله، لكن من المؤكّد أن ذلك ممكن، بشرط تعاون الجميع، ولم أذكر قط أنني قد قرأت أن أحداً فجَّر نفسه في مسجد منذ بداية الإسلام، ولا دخل مسجداً ليقتل المصلين بسيفه، أو رمحه، أو بندقيته بعد أن تمت صناعتها، لكننا قرأنا أن أبا لؤلؤة المجوسي اغتال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- بدافع الحقد، وأن عبدالرحمن بن ملجم قد اغتال علي - كرَّم الله وجهه ورضي عنه- بدافع ديني وسياسي، وكانت هناك محاولة متزامنة لاغتيال معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، فأصابت الطعنة معاوية في أعلى فخذه، ولأن سمنته مفرطة فقد حال الشحم دون الوصول إلى مقتل، أما عمرو بن العاص فقد صادف أن مرض ذلك اليوم فصلى رئيس الشرطة بدلاً عنه واسمه خارجة، فطعن الخارجي رئيس الشرطة خارجة، فمات من وقته، وبعد أن تبيّن له أن المقتول هو رئيس الشرطة وليس عمرو بن العاص، قال قولته التي صارت مثلاً» أردنا عمراً و أراد الله خارجة».
وفي اغتيال علي بن أبي طالب قصة تنم عن ذلك الفكر، لكن القاتل عبدالرحمن بن ملجم اقتصر على قتل علي بن أبي طالب ولم يتعداه إلى غيره من المصلين، فعندما ذهب عبدالرحمن بن ملجم لقتل علي، قابل امرأة اسمها فطام، كان أبوها وإخوانها قد قتلوا في معركة النهروان، وكانت ذات جمال، فراقت لابن ملجم، فطلب يدها، فقالت له إن مهري ثلاثة آلاف وعبد وقينة، وقتل علي، فقال الشاعر:
ولم أر مهراً ساقه ذو سماحة
كمهر فطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة
وضرب علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا
ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
وعبدالعزيز بن موسى بن نصير، الذي تزوَّج بزوجة لذريق، قتله الثائرون عليه في المسجد، وحتى في قلب هذه البلاد، حدث اغتيال لقائد كريم رحمه الله في المسجد، وكل هذه الاغتيالات التي تمت كانت بدافع سياسي تكفيري، أما ما ترونه من داعش، فهو منطلق من تكفير الناس جميعاً، ما عدا أولئك الذين يرون رأيهم، ويؤمنون بفكرهم، أي أن العالم أجمع كافر ما عدا داعش وأتباعها. عندما حدث التفجير في المساجد الثلاثة بالمملكة، وآخرها ما حدث في عسير، فإن مقابل ذلك مئات قُبض عليهم قبل أن ينفذوا فعلهم الخبيث، فلولا الله ثم يقظة الأمن لعاث أولئك المهووسون فساداً، ومع ذلك فلا يمكن استبعاد حدوث مثل ذلك في المستقبل، غير أنه من المؤكّد أن العمليات الاستباقية التي تقوم بها وتجيدها الأجهزة الأمنية تستحق الثناء الجزيل، كما تستوجب أن نتعاون معها ابتداءً من المنزل.
أما القنوات التحريضية فلا بد من العمل على إيقافها، أو تصحيح مسارها لأنها تستقطب ضعفاء العقول، ومن لديهم أمراض نفسية، تستغلهم تلك القنوات لتفتح لهم آفاقاً وهمية تهلكهم وتهلك غيرهم.
ولا بد من نزع الفكر التكفيري والتمييزي الذي عشعش في العقول، واستمرأه البعض، واستغله البعض الآخر، وهذا لن تجدي معه الندوات، والمحاضرات، إذا لم يكن منعاً لمن يحرض أو يساعد على نشر ذلك الفكر، أو يسوّق له بين ثنايا الحديث، ويتكئ على بعض الفتاوي التي خرجت في ظل ظروف معينة.
حمى الله هذه البلاد، وجميع بلاد العالم، وأدام علينا أمننا، ووفَّق رجال الأمن في عملهم الجليل الذي يقومون به.