في البدء
تبتسم مصر، لكي نحيا بين أمنياتنا (آمنين)
هى القريبة من قلوب الجميع، وهي التي تحتوي بحب خطايا الجميع، وتحب قسمات كل الوجوه، فكانت زيارتي الأولى لها، إنها القاهرة التـي عرفتها عبر بسطاء نجيب محفوظ، ورفيف (طير) نجاة المسافر، وشغب عادل إمام وزملائه، وإحساس غادة رجب الباسق، فالآداب والفنون هما أعمدتا التغيير والتنوير في أي مجتمع انساني.
كنت سعيدة عندما وطئت قدماي مطار القاهرة الدولي في صباح يوم الخميس 23 يوليو، وغرقت ببهجة بين اصوات المصريين، نبت لي عشر حواس وأكثر، كنت أريد أن التقط الأصوات، والملامح.
أنا في القاهرة التي نادتني لمرات عديدة، ركبنا التاكسي، ومررت بصباح القاهرة الذي يتنفس الحياة، وجوه باسمة، خيول تجر عربات تحمل هدايا الأرض الحنونة، إعلانات جمالية ضخمة تجذب النظر، ألصقت على بنايات مرتفعة تعلن عن حفلات موسيقية، وغنائية، وعروض أفلام وبرامج تلفزيونية، ومعارض تشكيلية، ومرت عيناي بأشجار خضراء عملاقة تلوح للقادمين، ولمست بأصابعي بقايا سكر كعك العيد على أسيجة الدروب.
كنت حريصة أن أزور المؤسسات الثقافية، فقمت بجولة ثقافية نظمها لي أحد الاصدقاء الصحفيين المصريين، وأنا أعبر قرأت لافتات دار الأوبرا المصرية، والمركز القومي للترجمة، والسيرك وقاعة جاهين، وكل هذه اللافتات تربط المجتمع بمصادر الثقافة، وتدعم وجود الثقافة بشكل قوي، وتعطي للسائح صورة واضحة عن البلد والمجتمع في لحظة واحدة.
دخلت دار الأوبرا المصرية، فصافحتني حديقتها الخضراء النظيفة، حيث يجتمع المثقفون، وفي المكان ذاته كان المركز القومي للترجمة، مررت بمعرض الفن الحديث، ووقفت في بهو المجلس الأعلى للثقافة، ورأيت شعاعا ذهبيا يأتي من لافتة مركز الإبداع الفني، كان كل ذلك في مكان واحد، روافد الثقافة تلتقي فـي مكان واحد، حتى لا ترهق المثقف القادم من محافظات مصر الأخرى، أو من خارج مصر بعبء التنقل في أمكنة بعيدة عن بعضها البعض، كما انها تمنح فرصة لالتقاء المثقفين. وهبت نسائم النيل الباسم، ولاح ضوء أم كلثوم عبر نصبها التذكاري، اقتربت من عبدالحليم الذي يضع يده اليسرى في الجيب الأيسر لبنطالـه، وحضنته، تذكرت عندما حفظت قـارئة الفنجان وأنا أحمل سنواتي العشر الصغيرة، وكنت أغنيها كاملة، وتأملت جلسة الموسيقار الأنيق عبدالوهاب، كانت سعادة تغمرني وأنا أمام عمالقة ضخت أصواتهم الحب والفرح والسلام في أوردة أوطاننا العربية.
وبين مساءاتي كان لابد أن أزور المنطقة الممتلئة بتاريخ المصريين وملامحهم، وأصواتهم، وضحكاتهم، إنها منطقة (الحسين) قلب القاهرة النابض بالأمس واليوم معا، والذي يكشف وجه القاهرة البسيط، باعة متجولون، امرأة تحمل عقود فل، اشتريت منها عقداً ووضعته حول جبيني، رجل يحمل قلائد وسبح زرقاء، أنصبة نفرتيتي، الفراعنة، ومقاهي تلتصق بجوار بعضها، وأصوات نادليها الضاحكة تتعالى لجذب السياح، حيث يبدأ العزف والغناء الجميل، حوانيت تعج بالهدايا التذكارية التي تحمل قسمات أرض الكنانة، إنه الحسين حيث يأتي طلاب الفنون ليرسموا معالمه، وليستنشقوا رائحته، ويتأملوا جمالياته ليحفر في وجدانهم رؤى جمالية، أعطاني أحدهم طربوشا أحمر وضعته على رأسي وتأملت نفسي بابتسامة في مرآة صغيرة تنتصب أمامي.
بينما أواصل بحثي، حدثتني صديقة لي عن ساقية الصاوي. دخلت الساقية، ياه انها للكاتب عبدالمنعم الصاوي، المـؤسسة الثقافية الخاصة والتي تبث نهر ثقافة وفكر تنموي عبر أمسيات موسيقية وغنائية وقراءات لإصدارات قصصية وروائية وشعرية، دخلت إحدى قاعاتها والتي تستعد في المساء لحفلة الصوت الشجي الفنان علي الحجار.وقبل أن أخرج التقطت بروشورات فعاليات شهر أغسطس كاملة.
وأنا أمر بالطرقات كنت أتوقف عند باعة الكتب على الأرصفة والتي ينظمونها بشكل مرتب، صبي يسألني اذا كنت أبحث عن كتاب، لم يكن يعلم أنني مستمتعة وأنا أراه يرتب كتبه بحب، مشهد يستحق لوحة خاصة، تحركت خطواتي نحو مكتبة المدبولي، والتي تمثل رافدا ثقافيا عريقا، والتقيت بإصدارات الكاتبة المثيرة للجدل والتفكير نوال السعداوي والتي كانت تزين المدخل، تنقلت بين إصدارات المكتبة الفكرية والأدبية والترجمة، وسعدت بوجود إصدارات من وطني.
في القاهرة أبهجني حضور المرأة، لذلك شوارع القاهرة، وشرفاتها ممتلئة بالدفء، بالحنان، لذلك المحروسة تنمو محروسة بالحب والفرح، تذكرت صديقتي سحر، والتي كانت تحضر لي بطاقات ورود وتهديها لي في كل بداية عام، وأمها التي كانت تشجعني، أساتذتي في الكلية ودعواتهم لي لزيارة المحروسة، كتبهم الأثيرة التي لازالت تزين مكتبتي.
كل صبا ح أستيقظ فأجد القاهرة سهرانة، وكأنها تخجل أن تنام في حضرة القادمين إليها، بحزن تركت القاهرة وأنا أسمع نداء نفرتيتي وأصدقائي والذين يؤكدون لي أنني سأعود مرة أخرى لأحبها وأحبهم أكثر وأغني لها أكثر، وأرقص معها أكثر.
3 اغسطس 2015
تركية العمري - القاهرة - الخبر