بفعل تنامي وصعود وتيرة انتشار التلوُّث بأنواعه، وبداية نضوب وشحّ المصادر والموارد الطبيعية النظيفة وفقدان فاعلياتها المفيدة بسبب تدمير مكوّناتها البيئية: البريّة، البحرية والمناخية، مما أدى إلى شيوع وتفشي الأمراض والأوبئة التي حَصَدتْ وتحصد باستمرار الأرواح البشرية والحيوانية والحياة النباتية في كل بقعة على كوكب الأرض، حيث تقول بعض التقارير إن ثلاثة مليارات إنسان يتنشقون هواء ملوثاً!!
بنتيجة هذا الواقع المرعب أصبح «الهواء» النظيف عملة نادرة، لهذا فَرَضتْ السلطات الفنزويلية على المسافرين عبر مطار «سيمون بولفيار» مبلغاً مادياً قدره 20 دولاراً في مقابل ما يستنشقون من هواء نقي داخل قاعة المسافرين خلال انتظار مواعيد إقلاع طائراتهم، وذلك بهدف تغطية تكاليف نظام التهوئة الجديد ومتابعة صيانته. ووفقاً لما أشارت إليه وزارة النقل والأخبار الصحافية المحلية ووكالة: «سكاي نيوز» فإن هذا النظام هو الأول من نوعه في أميركا الجنوبية وجزر الكاريبي، الذي يحدّ من نشاط الملوثات والبكتيريا الموجودة في الهواء، ويزيل الروائح الكريهة والغبار، ويساعد على بلوغ الراحة الجسدية الصحية والنفسية ويحقق أحلى حالات الانتعاش للمسافرين.
بالمقابل فقد خطر ببال أحد المواطنين اللبنانيين أن يقوم بمشروع تعبئة «هواء» لبناني جبلي نقي في عبوات مقفلة بتقنية حديثة، بحيث يستطيع المستهلك أن يفتح العبوة بسهولة ويستنشق الهواء منها مباشرة، فتثير فيه شعوراً منعشاً بعبير أشجار الصنوبر وأجواء ظلال شجر الأرز ورحيق ثلج جبل «صنين»! واقترحَ بأن تُصدّر العبوات إلى البلاد التي يتواجد فيها مغتربون لبنانيون -وما أكثرهم- يؤجج في نفوسهم شجون الحنين إلى الوطن، ويرفع من شأن عاطفة الانتماء، هذا إلى جانب تسويق هذه السلعة «الهوائية» في كل البلاد وخصوصاً التي تعاني من أخطار التلوث!
أما في البلاد الحاّرة -ومنها بلادنا- حيث وَهَجَ الشمس الحارق ودرجات الحرارة العالية تجعل المواطنين والوافدين يهرعون الى «الظل» هرباً من أتون الشمس وجحيم الحرّ، ويلوذون بالاستراحات والمحطات المسقوفة والكافتيريات وما يعادلها من الأماكن الظليلة المكّيفة والركون إليها عندما يكونون خارج منازلهم وأماكن عملهم، حيث تُقدم لهم الخدمات من مشروبات باردة متنوعة إلى جانب الماء، أما الهدف الرئيس لهولاء الزبائن فهو الدخول إلى «الظل» حتى لو كان فيء شجرة! في تلك الحالات فإنهم يدفعون ثمن «الظل» عن طريق شرائهم واستهلاكهم لما يطلبونه من المحل، وهناك بلاد تحظَّر وتمنع «التنفُس: والبوح بأي رأي نهضوي- تجديدي، وذلك مقابل الاعتقال أو النفي وغالباً القتل.
إن ضريبة «استنشاق» الهواء في مطار «سيمون بوليفار»، ودفع ثمن عبوة الهواء اللبناني، وثمن «الظل» في البلاد الحارة. وكذلك السجن والنفي والقتل مقابل «التنفُس» برأي موضوعي حر، كل ذلك قد أدى بنا -نحن- في العالم الثالث أن نسعى إلى شراء «الظل» وتأمين الهواء النظيف والأوكسجين، حيث إن أمتنا ومنذ سنين تخضع «للتنفُس الاصطناعي- وعم تاكل «هوا» بشراهة واضحة بدلاً من أن تستنشقه!!
- د. غازي قهوجي
kahwaji.ghazi@yahoo.com