سعد بن عبدالقادر القويعي
إنّ الإرهاب بالمفهوم السيكولوجي هو المدخل الرئيس لتفسير، ومعالجة ظاهرة الإرهاب، بل يعتبر إحدى الطرائق العقلانية لدراسة ظاهرة الإرهاب. وعندما نغيّب هذا المفهوم السيكولوجي للإرهاب، فإننا لن نستطيع معالجة سيكولوجيته، ولن نتمكن من القضاء عليه، وتصنيفه في دائرة السلوك الإجرامي، ما دام يمارس نشاطاته الإجرامية ضد الشرعية، والنظام، والعرف، وضد الأداة الشرعية الحاكمة.
وعندما نعرّف ظاهرة الإرهاب، بأنها أعمال عنف تستهدف المدنيين لغايات، ومقاصد أيديولوجية، فإنّ الوقائع الإرهابية تحتاج إلى ضرورة التفريق بين السلوك الإرهابي، الذي يتصدره أشخاص، وبين الحالات التي تدفع نحو الإرهاب، وذلك ضمن الجماعة الجهادية الحاضنة للمشروع الإرهابي، شريطة أن تتوافر التعزيزات النفسية، والروحية، والمعنوية ؛ من أجل تقليل فرص حالات القلق من فكرة الموت، ومن ثم العمل على تهيئة الفرد لقبول تنفيذ عملية انتحارية.
تمهد الأيديولوجيات المتطرفة للعنف، وذلك بسبب عاملين مهمين، أحدهما : عزلة هؤلاء الشباب عن القوى الاجتماعية المحيطة بهم، بسبب غياب قيم العدالة، والهوية، والانتماء - في نظرهم القاصر -، مما جعل تأثير هذه العناصر الثلاثة كبيراً على الأفراد نحو التحاقهم بالمنظمات، والأنشطة الإرهابية. والآخر: عدم اكتمال مقومات الشخصية لديهم، باعتبار أن شخصية الإرهابي مركّبة، تجمع في خصائصها بين خمس شخصيات مصنّفة على أنها مضطربة، وغير سوية، وهي: الزورية، والنرجسية، والوسواسية القهرية، والشخصية من النمط الفصامي، والشخصية المعادية للمجتمع. - وعليه - فإنّ إسهام هذه العوامل مجتمعة، وغيرها بصيغة تفاعلية ؛ لبقائهم في دائرة تصدر المشهد، يؤكد لنا بوضوح كم هي معقدة ظاهرة الإرهاب. وهو ما يؤكده علماء النفس، بأنّ نشوء معتقدات وهمية لدى الفرد، تقوى بمرور الزمن لتصبح لديه، وكأنها حقائق واقعة . ويؤكد هذا الاستنتاج، أن الإرهابيين كانوا قد تلقوا هذه المعتقدات من شخصيات دينية، لها تأثير فيهم، وأنها لاقت قبولاً لديهم ؛ لأنهم كانوا قد تعرضوا لاضطهاد، وتحقير، وإهانات أسرية، ومجتمعية.
وبما أنّ علم النفس يُعرّف بعلم السلوك البشري، فإنّ - الدكتور - وليد شنيقات يُشخّص حالة الإرهابي، بأنه يعتقد أنه على حق، وأن الآخرين على باطل . ويتصف بالعجرفة، والتعالي في السلوك، والشعور بعظمة أهمية ذاته، وأنه يستحق الصدارة، والأفضلية على الآخرين . وعندما تتفاعل هذه الصفات النرجسية مع صفاته الزورية، ينجم عنها تثبيت معتقداته الوهمية، وتعزيز صفتين من الشخصية الفصامية، هما : افتقار تفكيره إلى المرونة، والتبصّر، وسيطرة أفكار بخصوص الانتحار، وصفة أخرى من الشخصية المضادة للمجتمع، وهي عدم الشعور بالندم، أو بالذنب عند إلحاقه الأذى بالآخرين .
تشير الدراسات النفسية إلى أن انتماء الشخص إلى هذه المنظمات الإرهابية، نابع من الشعور بالحاجة القوية إلى الانتماء، والحاجة إلى تعزيز الهوية الفردية، - وبالنتيجة - فإنّ الحاجة إلى الانتماء مع هوية شخصية غير مكتملة، تمثلان عاملين مشتركين لكثير من أفراد هذه المجموعات الإرهابية، وهذا ما جعل - رئيس حملة السكينة - التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية - الشيخ - عبد المنعم المشوح، يفسر - قبل أيام - بلوغ الحال بعناصر تنظيمي - القاعدة وداعش - بتجاوزهما الغلو، وأنهما وصلتا إلى مرحلة التوحش، والتعطش للدماء بعد استهداف الآمنين في المساجد، ودور العبادة، وأن جزءاً من المنضمين - أخيراً - لتنظيم داعش الإرهابي، غير ملتزم دينياً، - وبالتالي - فإنّ العلاج الذي يجب أن يتبع معهم، هو العلاج النفسي لا الفكري - كما كان معمولاً به - .
يمثل الإرهاب موضوعاً من أهم موضوعات الساعة، وأشدها خطورة بما يحويه هذا المصطلح من معنى لنعت الإجرام الوحشي ؛ ومن أجل التصدي لظاهرة الإرهاب، فإنّ علينا أن نتواصل مع أولئك الذين لم يقطعوا وعداً، والتزاماً تاماً قبل دمج هوياتهم داخل منظومة الجماعات المتطرفة، وتعزيز استعداداتهم بدعائم دينية، ونفسية، ومادية متعددة، تبدأ بإقناعهم بجرم الفعل الانتحاري، وتنتهي بهم عند وقف الألم.