هذه قصة وفاء ونخوة كانت نساء العرب بالسابق تسافر مع العرب رجالاً ونساء لقضاء الحوائج، وكن يسرحن بالأدباش ولا يخفن من الريبة لحرصهن على أعراضهن، والرجال ما يهمّون بهن ولا يدخل الشك والريبة بينهم، وكانت تردعهم الشيمة والعفة والمحافظة على الأعراض، وإذا حصل خطأ من القلة تبقى وصمة عار عليهم، وقد يفضي إلى القتل للغاصب والراضية من النساء وهذه الواقعة نادراً ما تحصل ولولا ذلك لما ساعدت المرأة الرجل في قضاء الحاجات بأمن واطمئنان.
وقد حصل من رجل قليل شيمة وعفة على امرأة بالبر وهي ترعى الأغنام وهي أخفت الأمر على أهلها خوفاً من العار، ولكنها أحسّت بحمل فشكت لطاعنة بالسن، وقالت لها أريد سماً من قتلي أمام الناس وعن الفضيحة، فقالت لها أنت مغصوبة ولا بد لك من الفرج، وانظري من بالعرب تجتمع فيه الخصال التي أقولها لك:
أولاً: إذا ذهب لقضاء الحاجة حيث لا يوجد أماكن خاصة لقضاء الحاجة فهذا يذهب بعيداً عن أنظار الناس ويختفي بشجرة أو حجر أو غيره.
ثانياً: الذي إذا ركب ووضع رجله على الشداد لا يحركها حتى ينزل من الراحلة هذا من قوة التحمل والصبر.
ثالثاً: إذا مشى والسلاح على متنه لا يغيره من مكانه حتى يضعه بالأرض مرة واحدة.
فوجدت الخصال بالمدعو أبا الميخ، والذي اتضح لي اسمان أبا الميخ من عنزه ومن شمر، ولا أعلم أيهما المقصود، وترقبت الفرصة بخلوه من الناس، وصدفة اجتمعت راحلته وراحلتها بالمسير فألقت عليه تشكي له حالتها.
أبا الميخ هرّجني والأرطاة بيننا
بيني وبينك مايلاتٍ ذوايبه
أبا الميخ هو ما بك عن الموت مزبن
لا صار فيّه عالقاتٍ مخالبه
أمر جرى من غير حكمي مقدّر
جرى المقدّر والمقادير غالبه
فعرف مرامها وسألها عن أهلها وأخبرته بهم، وحين نزلوا ذهب إليهم وخطبها من أهلها فأجابوه وتزوج من حينه وسترها، ولكنه لا يقربها في المنام، ولم يمسها، وبينهم عشرة طيبة وتبيّن الحمل وأنجبت ولداً، وبعد ثلاث سنوات على هذا الحال أو أربع وفي إحدى المرات كان يمشي ومعه المولود، والناس يظنون أنه ابنه وهو عارف وهي قد أخبرته باسم الذي اعتدى عليها سابقاً، وعندما تقابلا في الطريق والولد معه قال المعتدي: (فتحنا لك الطريق) وإذا أبا الميخ مليء بالغيظ فقال له (أنت فتحته وحنّا نسدّه) وضربه على رأسه فقضى عليه، وعاداتهم أن يدخل القاتل على واحد من الناس ويعرف عنه أنه ضامنه لمدة سنة كاملة، هذه عادات العموم، فنزح عن قومه وبقت هي وابنها في بيته عند إبله وفرسه، وفي يوم من الأيام، وقد رأت أنها هي السبب في مغادرته وتحمّله رقبة، قالت للولد: (خذ الفرس) وكانت إبل إخوان المقتول على الماء يسقونها، وأوصته بكلمة (إذا طردوك قل لهم والله أن تشرب الضمايا والكبود طنايا).
قالوا (هذا ردك وأنت صغير!! فكيف إذا كبرت؟!) وظنهم أنه ابن القاتل فقتلوه، وعلم أبا الميخ أنهم قتلوا الولد، واكتفوا بقتل الولد، وعاد إليهم وستر على المغصوبة.
وهذه من شيم العرب وعاداتهم، يحمون الضعيف، ويسترون ما رأوا.
** ** **
** من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية
** تأليف منديل بن محمد الفهيد (الجزء التاسع)
*** ***
حمود الشلاقي - حائل