عبدالعزيز القاضي
الشعر حالة شعورية تعبيرية, والشاعر إنسان أوتي قدرة خاصة على صياغة لوحات لفظية مؤثرة في الروح, ومن الشعر ما يخترق الوجدان حتى يشعل داخله فتيل الطرب.
والشعر مثله مثل معظم المجالات الإبداعية يمكن تعلمه, فهو كما عرفه البلاغيون قديماً «كلام موزون مقفى له معنى»، وهذا تعريف لشكل الشعر لا لجوهره, لذا فإن تركيب قصيدة شعرية ليس بالأمر الصعب على من تعلم وتذوق، لكن الارتفاع بها إلى درجة الإبداع هو الصعب مهما بلغت ثقافة قائلها وفهمه وذوقه. والإبداع موهبة خاصة لا علاقة لازمة لها بالثقافة العامة, فأكثر الشعراء المبدعين هم من العامة، وإن شئت فمن عامة العامة. وإذا كانت الثقافة تصقل الموهبة فإنها لا تصنعها، وقصيدة الشاعر الموهوب (إبداع أصلي)، بينما قصيدة الشاعر المثقف الذي تعلم الشعر بلا موهبة (تقليد متمكّن), وبين الإبداع والتمكن مثل ما بين الصناعة اليابانية والصناعة الصينية.
ومن هذا الواقع نشأت مشكلة، بل إشكالية سببها كذبة إعلامية والإعلام التجاري خلاق أكاذيب, فقد أوحى إلى بعض الشعراء الموهوبين أنهم مثقفون بل مفكرون بل فلاسفة, وربما كان بعضهم لا يعرف القراءة والكتابة! وفي اللقاءات الإعلامية مع الشعراء الموهوبين تطرح عليهم أسئلة فكرية واجتماعية وفلسفية وثقافية كبيرة لا علاقة لها بالشعر, والحق أن هذا استخفاف بالشاعر قبل المتلقي.
وبعد ظهور (الفيس بوك) و(تويتر) وغيرهما من وسائل الإعلام والتواصل الشخصي فتح بعض الشعراء الموهوبين لهم حسابات شخصية في هذه الوسائل مثل غيرهم, وصاروا يتواصلون مع جماهيرهم وغير جماهيرهم مباشرة, فرأينا من بعض المخدوعين منهم من صدق تلك الكذبة الإعلامية بخصوص فكره وعلو كعب ثقافته فصار في تغريده (كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد)! وصار يتصدر للفتوى في كل مسألة, ويبدي الرأي في كل شأن, ولم يقتصر على ذلك بل صار يفتي في السياسة وفي الدين ويرد فتاوى بعض العلماء ويناقشها بهوى وجهل وحمق وقلة فهم وقلة أدب أيضاً! وقلة الثقافة لا تعيب الشاعر، فكلٌّ ميسرٌّ لما خُلق له, لكن ما يعيبه أن ينساق وراء تلك الأكاذيب فيصدقها ثم يتصرف وفقها, والمرء حيث يضع نفسه, ومعظم أولئك مقلدون لمن تصدروا المشهد الإعلامي وبرعوا في تمرير اتجاهاتهم السياسية والفكرية. ومتصدر المشهد الإعلامي في كل المجالات هو قدوة المراهقين والأغرار وطلاب الشهرة والوجاهة.
وهذا التقليد للفاسد من الفكر لا يقتصر خطره على المقلِّد وأتباعه بل يتجاوزهما إلى بقية الناشئة عمراً أو عقلاً في المجتمع, وقد رأينا في السنوات الخمس الأخيرة تحديداً كيف صار الشباب والشابات يستخفون بالدين ويتجرؤون على تعاليمه اتباعاً لهؤلاء المقلدين المغرورين المغرر بهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فاصلة:
إن جلّ رجلٍ في عيونك فماله
ووزن ثقل عقله بعقلك بمثقال
تكشف ضغاين غايته بالرساله
أو لفظ مرساله بعنوان ما قال
ويبين لك لفظ الرجال بمجاله
لا جدالٍ فيه فضٍّ للأشكال