د. خيرية السقاف
يحدث أن تشعر برغبة في إعادة ترتيب مكتبتك, مراجعة ما في رفوفها, ومستودع أوراقك, كتبك القديمة التي قرأتها مرة, أو تلك التي أعدت قراءتها مرارا, وأنت في همتك هذه يطفر من ذاكرتك اسم شغلك كثيرا بأفكاره في طُلعتك, أو آخر جذبك أسلوبه وخياله, أو ذلك الذي لم تكن تنام قبل أن تلتهم سطوره الملهمة لك التهاما, وأولئك الذين هللت بما يقولون يوافق رأيك حين نضجت, وغدا لك موقفك مما تقرأ,..
تذهب تبحث عنهم, فإذا ما وقعوا بين يديك عدت واقفا تلتهم سطورهم, مهلل الوجه طرب الأسارير، وإن قدر أنك لم تجدهم عصرت ذاكرتك لتدلك إلى أين ذهبوا.., فكتبك ثروتك لكن الطامعين فيها كثر, بمثل ما كل ثروة هي مطمع سارق, أو طفيلي، أو متسلق..!!
تجهد في الاسترجاع ربما استعار منك أحدُهم بعض الغائبَ منها, وربما آخر أخذ منها بعضا بعلمك, أوفي غفلة منك, وربما اختلطت بطريقة ما مع أحد يشاركك المكان, ومع الأيام نسيت استرجاعها بحسن ظنك, وباطمئنانك لرفوف مكتبتك العامرة, ونسوا هم أن يعيدوها إليك، أو تغافلوا عن ذلك, أو تعمدوا أن يسلبوك إياها لحاجة ما, فتقلق, وقد تحزن، وقد تفرط في البحث عنها، وبحسرة تتفقد من فرطت فيه من صحبك رفقائك أصدقائك, حين يكون الكتاب لك هو الصديق, الرفيق, الصاحب, فكيف حدث أن تخليت عن صديقك رفيقك وصاحبك كل هذا الوقت.. وشُغلت عنه بالجديد المضاف,....؟!
تذهب بك الساعات, وقد نسيت في قلقك بفقدهم ترتيب مكتبتك, فتزيد فوضاك, وتنغمس في شتاتك, وتتطاير منك أطراف عزمك على إعادة السكون لمحتويات مكتبتك, لكن هيهات, هيهات..!!
تذكرك مكتبتك لحظاتك هذه بحال أمَّتك، تلك التي اجتمع لها من الثروة القيمية, والحضارية, والعلمية, والتأريخية, ما ركنَت به في دعة، متسيدة صورة المكين فيها، حتى إذا ما جاءت للحقيقة وهي في خضم ترتيب أوراقها, وجدت أنها قد سُرقت, وأنها قد فَـقَـدت, وهي الآن في شتات فوضى الأسى, وحزن التفريط, وغفلة حسن الظن.