مسؤولية العلماء كبيرة في صيانة فكر الأمة من الاختلال وتصحيح الأخطاء في المفاهيم الشرعية ">
مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
يواصل معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء حديثه لـ «الجزيرة» عن قضيّة الساعة «الإرهاب» والجماعات المتطرفة وتناميها في المجتمعات الإسلامية.
ويؤكّد معاليه وهو الخبير في التربية والتعليم على إسهامات الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم في تحقيق الأمن الفكري، وفي ترسيخ المنظومة الفكرية والثقافية التي تسير عليها الدولة والمجتمع.
ومعالي الشيخ الدكتور عبدالله التركي يتحدّث من واقع خبرات علمية وعملية استمرت سنوات طويلة في التعليم والعمل الإسلامي والسياسي والإعلامي والثقافي، وبهذا يشير إلى أن الشذوذ الفكري يؤدّي إلى مفارقة الجماعة والخروج على ولي الأمر، والخلل في فهم النصوص الشرعية ومقاصدها.
ونترككم مع (الجزء الثاني) في حوارنا مع العلم الشيخ الدكتور عبدالله التركي الذي لا يزال يعطي منافحاً عن دينه ووطنه وولاة أمره وقضايا أمته في شتى أنحاء العالم.
* حملات تكفيرية تقف وراءها جماعات متطرفة باسم الإسلام عبر وسائل الاتصال الجديدة، في رأي معاليكم: كيف يمكن مواجهة هذه الحملات؟
- هذا يحدث باسم الإسلام مع الأسف، وهو منه براء، والغيورون على الإسلام ومستقبل أمته جادون في التصدي لهذه الحملة التي ارتكبت الموبقات متلبسة بلبوس الإسلام، ورافعة راياته وشعاراته، وآن الأوان للعلماء والدعاة وقادة الرأي أن تكون لهم صولة جادة في التحذير من هذا البلاء الذي طم، والبراءة منه، ووضع الحلول الناجعة في تخليص شباب الأمة من براثنه، وتقديم التصور الإسلامي الصحيح فيما يعرض هنا وهناك.
* في نظر معاليكم: ما واجب الإعلام الإسلامي في مواجهة الطائفية والحزبية والأفكار المنحرفة؟
- على وسائل الإعلام الإسلامية أن تسعى لإبراز أهمية التضامن بين المسلمين، على المستويات الرسمية والشعبية، والتعاون في حل المشكلات وإزالة الأسباب التي أدت إلى فرقة الأمة وفي مقدمتها الطائفية والحزبية المقيتة، والحذر من خطورة تنامي هذه الدعوات وضرورة بذل الجهود في مواجهتها وعلاج آثارها، وعلى الإعلاميين التعاون مع المنظمات الإسلامية ومع علماء الأمة، في نشر ثقافة التضامن بين الشعوب والأقليات المسلمة، وألا يدخروا جهداً في التصدي للأسباب التي أدت إلى الفرقة والنزاع وإشاعة الفتن بين أبناء الأمة، والتصدي للتيارات التي تسعى إلى ذلك؛ لأن ذلك لا يستفيد منه إلا أعداء الأمة.
ويجب أن تتضافر جهود وسائل الإعلام الإسلامية في التصدي للأفكار المنحرفة، وتصحيح الأخطاء في المفاهيم الشرعية، وعلى العلماء ورجال الإعلام الانطلاق من رؤية واضحة في التعريف بالإسلام وبيان أحكامه، بعيداً عن الأهواء، وتأصيل صلة المسلم بربه وإحسان علاقته بالناس والسعي في منفعتهم، والتصدي لثقافة الغلو والانحراف والإرهاب؛ فذلك من المسؤوليات الجماعية؛ لأن الشذوذ الفكري يؤدي إلى مفارقة الجماعة والخروج على ولي الأمر، والخلل في فهم بعض النصوص الشرعية ومقاصدها، مثل: الجهاد والولاء والبراء.
والأخذ بالفتاوى الشاذة المضللة من أهم أسباب ظهور فئات غالية في الدين عمدت إلى تفريق الأمة في دينها.
ومن الأهمية بمكان إظهار رسالة الإسلام التي هي رسالة أمن وسلام وتواصل وتعاون بين الناس على البر والتقوى، وإبراز أن الإسلام جاء لإرساء قواعد العدل بين الناس والإحسان إليهم، ومحاربة البغي والعدوان، وتعريف الأجيال المسلمة بمبادئ اليسر والتسامح في الإسلام، وتحذيرهم من خطر الانحراف عنها.
* للأمن الفكري دعائم يقوم عليها، ومقومات تسهم في تكوينه والمحافظ عليه.. هلا ذكرتم لنا تلك الدعائم المهمة؟
- من أهم مقومات الأمن الفكري التعليم الإسلامي الصحيح، فإنه المقوم الأول لحماية الهوية الدينية للأمة من الضياع والاستلاب.
فمن الضروري أن يكون في كل بلد من بلاد الإسلام، جهات متخصصة تولي التعليم الإسلامي اهتماماً خاصاً، بالقدر الذي يحتاج إليه أبناء الأمة من الناشئة والشباب، سواء بإدخاله في مناهج التعليم العام، أو بإنشاء المعاهد والكليات الخاصة به، التي تهدف إلى تخريج المتخصصين في الفتوى والقضاء، وتدريس علوم الشرع، والإمامة والخطابة والدعوة العامة.
ومن حق الجاليات والأقليات المسلمة المنتشرة في العديد من بلدان العالم غير الإسلامي، على إخوانهم في الدول الإسلامية، أن يعينوهم فيما يحتاجون إليه في تعليم أبنائهم دينهم.
ولرابطة العالم الإسلامي هيئة عالمية تهتم بالتعليم الإسلامي، وتركز في جهودها على البلدان التي يحتاج فيها المسلمون إلى دعم في تعليم أبنائهم، سواء أكانوا في دول إسلامية تحتاج إلى ذلك، أم كانوا في دول غير إسلامية يعتمدون في التعليم الديني على جهودهم الخاصة.
وقد أنعم الله تعالى علينا في المملكة العربية السعودية، بولاة أمر جمعوا بين حب الدين وحب الوطن وحب شعبهم، وأدركوا قوة تأثير الدين في تعزيز القيم الوطنية والسلم الاجتماعي، والأمن الفكري، فرفعوا راية التوحيد، واتبعوا الكتاب والسنة، وأكرموا العلماء وشجعوا نشر العلم، ومكنوا للدين، فجعلوا تعليمه جزءاً أساسياً في مناهج التعليم العام، يكفل لأبناء المملكة تربية سليمة مستقيمة بعيدة عن الملوثات الفكرية والانحرافات السلوكية.
وبذلك تحقق في شعب المملكة ولاء وطني صلب، وتماسك اجتماعي متين.
وهذا المسلك الذي يسير عليه ولاة الأمر في المملكة وشعبها، ولا يبغون عنه حولاً يستوجب على جميع أبنائها أن يدركوا قيمته ويشكروا نعمة الله عليهم فيه، ويؤازروهم بالوفاء بما تقتضيه البيعة الصادقة من السمع والطاعة والنصح، ولزوم الجماعة، والوقوف في وجه كل من يمس بالأمن والاستقرار والوحدة الثقافية والوطنية.
* وما مسؤولية العلماء في صيانة فكر الأمة؟
- على العلماء مسؤولية كبيرة في صيانة فكر الأمة من الاختلال، بنشر العلم بين الناس، وتصحيح الأخطاء في المفاهيم الشرعية، وإرشاد الشباب وإزالة الإشكالات من أذهانهم، وتفنيد الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حول بعض أحكامه وتشريعاته في مجال الأسرة والمرأة، وحرية العقيدة، وحقوق الإنسان، والعلاقات بين المسلمين وغيرهم.
ومن مهمة العلماء حفظ دين الأمة من التحريفات الناشئة عن القصور في الفهم، والرد على ما ينشره أهل البدع من أباطيل وتأويلات للنصوص بتحكيم الأهواء والأذواق والآراء، والرد على ما تلبس به على الناس الفئات المنحرفة عن النهج الصحيح في فهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، المتأثرة بنهج الخوارج الذين كفروا المسلمين واستحلوا حرماتهم، وأرهقوا الأمة بشقاقهم، نتيجة اعتمادهم على فهم خاطئ لمعاني نصوص الكتاب والسنة، واستنكافهم أن يرجعوا إلى أهل العلم، فوقعوا فيما وقعوا فيه من سوء الفهم، مما أوردهم موارد الهلاك.
* وهل من مقومات أخرى للأمن الفكري؟
- من مقومات الأمن الفكري السمع والطاعة في المعروف لولاة الأمر، وبيعتهم على ذلك، وبذل النصح لهم والائتلاف عليهم، وحسن الظن بهم، والحذر من مشاقتهم أو إبداء ما يشجع على مشاقتهم، فإن ولاة الأمر هم الذين يجمعون الأمة ويحافظون على وحدتها، وبهم ترتبط الجماعة ويقوم أمر الدين والدنيا، ويستتب الأمن في الأوطان وتحمى المصالح العامة والخاصة.
وللجامعات والمعاهد والكليات أثر كبير في الإسهام في تكوين الأمن الفكري للمجتمع، وإرساء دعائمه، والمحافظة عليه، وحمايته من محاولات الاختراق والتعدي.
وإسهامات الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم، في تحقيق الأمن الفكري، بعضها يتوجه إلى الطلاب، وبعضها إلى الفضاء الاجتماعي العام، وترتبط هذه الإسهامات في كلا البُعدين بالسياسة التعليمية التي تحدد مسار البرامج التعليمية وفق قيم الأمة وأصولها وإطارها الحضاري العام، ولا يمكن أن تحيد عنها بحال.
والاعتناء بالطلاب له أولوية في الجهود التي تبذلها الجامعات، في ترسيخ المنظومة الفكرية والثقافية التي تسير عليها الدولة والمجتمع؛ فإنهم فئة مهمة في المجتمع ترتبط بالجامعة ارتباطاً مباشراً، لتلقي التعليم والتوجيه والتثقيف، وهم في مرحلة عمرية شديدة التأثر بالأفكار والتوجهات والفلسفات التي تروج عبر مختلف الوسائل التعليمية والتثقيفية والإعلامية.
ولا ينبغي أن تقتصر جهود الجامعة على تقديم العلوم المقررة على طلابها في تخصصاتهم، بل لا بد أن تمتد لتصل إلى أداء رسالتها الثقافية في طلابها وفي محيطها الاجتماعي العام، بالإسهام في التوعية والتوجيه، والدفاع عن القيم الإسلامية التي يسير عليها المجتمع ويتواصل على أساسها، والوقوف سداً منيعاً في وجه القيم الأجنبية الدخيلة التي تسعى لأن تحل محل القيم الإسلامية.