د.خالد بن صالح المنيف
في الملحمة الهندية الشعرية همس (جاموانت) لـ(هانومان) ملك جيش القرود مذكرا إياه بقدرته على الطيران في الهواء والسباحة في الماء وحمل أي أوزان كانت! وما كان (هانومان) ليستفيد من تلك المواهب لأنه لم يدركها في الأساس! فهل نحتاج لجاموانت ينبهنا على تلك القدرات والمواهب!
وفي قصة رمزية للأديب (مارك توين) يذكر فيها أن جنرالا توفي, وفي موطن الحشر سأل أحد العارفين عن أعظم العسكريين قدرة في التاريخ ؟ فأشار لأحدهم, وكم كانت دهشة السائل كبيرة! فالرجل المُشار إليه كأعظم قائد عسكري كان جاره وما يعرفه عنه أنه كان مجرد رجل بسيط وجندي خامل الذكر! ولم يلبث العارف أن وضح الأمر بقوله: كان سيكون أعظم قائد في التاريخ لو أراد!
كم من موهبة وأدت قدرات حطمت وأعمار ضيعت وفرص أهدرت وإمكانيات تفتت بحجة مرور الوقت وتقدم العمر وما أكثر ما تسمع كلمة (راحت علينا)! يقول الأديب عبدالوهاب مطاوع: (بالرغم من عفوية عبارة «فات الأوان» التي كان يرددها صديق هذا الذى كان يتنفس السخرية من كل شيء في الحياة فلقد حفرها الزمن في ذاكرتي من ذلك الحين وتنبهت لتأثيرها السوداوي السلبى في مواقف كثيرة خلال رحلة الحياة.. واكتشفت منذ ذلك اليوم أن اليأس هو الحل الأسهل لأي مشكلة لأنه يعفيك من عناء المحاولة.. ويوفر قطرات العرق ويحمي الجسم والأعصاب من الاجهاد ..ولكنه من الناحية الأخرى يهديك هدية أخرى جليلة الشأن وهي «الفشل).
ولا يخفاكم أن الجمل والكلمات إذا تكررت استقرت في العقل (اللاواعي) ثم تصبح قناعة تسير صاحبها دون أن يشعر! ولو تقدم بك العمر فلا تكرركلمة (شخنا أو كبرنا) فمثل تلك العبارات السلبية تعطي أوامر للعقل بالتوقف عن كل شيء جميل!
التوقف عن العطاء, عن الاستمتاع، عن التفاؤل, عن الفرح, عن الضحك, عن اللبس الجميل, عن السفر المبهج, عن الهويات المحببة!
تلك النظرة السوداوية للحياة تعجل من شيخوخة النفس وتجلب الكآبة ثم تصدرها للآخرين!
وكان ( نورمان فينيست) رمز الإيجابية في القرن العشرين ينادي: عندما نستيقظ ثمة خيارين أما تشعر بالاحترام تجاه نفسك أو عدم الاحترام ويطالبك فينسيت بعدم التردد في اختيار الثاني فأنت تعيش في عالم عامر بالفرص وقد أعطاك الله من الطاقات والفرص وسخر كل ما في الكون لك.
فهل للفرح موعدا ينتهي عنده؟
وهل للعطاء لحظة يتوقف معه؟
وهل للنجاح يوما يتلاشى الأمل فيه؟
وهل للتغير زمنا يستحيل بعده؟
ما أروع تلك العبارة التي كتبت على إحدى مزارع البرتقال: أفضل وقت لزراعة البرتقال هو قبل عشرين سنة وثاني أفضل وقت هو الآن!
إن ثمة حياة جميلة تنتظرك وقد أفردت لك ذراعيها لاحتضانك؛ فهلا تحركت وبادرت !
(لم يفت الأوان لتبدأ من جديد) جملة تحمل لك نسائم الأمل وتعبر بك محطات اليأس ,وأجزم أن أخطر ما يشل الإرادة ويضعف الأرواح هو الإقرار بالعجز قبل انتهاء الرحلة!
انظر إلى حال العظماء هل تراهم أقروا بالعجز في لحظة من لحظات حياتهم !؟
لو فعلوا لما أصبحوا عظماء ولما حفروا أسماءهم في سجل الزمن!
الأمر يعود إليك ياصديقي إذا ما كنت تريد أن تقضي بقية عمرك في صحة أفضل ووظيفة أفضل وحياة زوجية أهنأ وصداقة أفضل ووضع مادي أقوى وعلاقات أوثق!
وكم يعجبني ويحفزني المثل الاسكتلندي القائل: كن سعيدا ما دمت حيا!
لا تضع حياتك على واقع تستطيع تغييره!
ولاعلاقة تستطيع تحسينها أو حتى إنهائها!
أو على وظيفة تنال من صحتك!
تذكر أنك لم تُخلق في هذه الحياة لتكون بطلا في مسرحية وجع أو قصة أسى أو رواية ألم فلا ترض بواقع تستطيع تغييره ! فما من عظيم إلا وراجع نفسه، وأعاد ترتيب أوراقه، وهذب أفكاره، وتأمل في معتقداته..
وإن كنت أخذت زمنا طويلا وبدأت قديما في رحلة الحياة فلا زال هناك بريق يسطع ونجمع يلمع وأمل يهتف والخوف في هذه الحياة لا يكمن في كون حياتك ستنتهي ولكن الخوف الكبير أن لا تبدأ مطلقا في حياتك وأن تظل قابعا في تلك الدهاليز المظلمة والزوايا الكئيبة!
من المؤلم أن تنقضي حياتك ولاتزال (السمفونية) العذبة حبيسة في روحك, ولا تزال تلك (الرواية) الخالدة راقدة في عقلك, ولايزال ذلك (المُنجِز) أسيرا في داخلك! تذكر ياصديقي فقط الموتى هم الذين لا يتغيرون!
فتّش في صندوق مواهبك عن موهبة تتفرد بها، ويمكنك أن تصبح بها شخصاً عظيماً, لن يضمن لك أحدا أن تكون بطلا أولمبيا إن لم تبدأ مبكرا وفي عمر صغير ولكن الفرصة متاحة أن تكون زوجا جيدا وموظفا مبدعا وصديقا رائعا وكاتبا متميزا وشخصا سعيدا !
ومضة قلم
نحن نسقط لكي ننهض... ونهزم في المعارك لنحرر نصراً أروع.. تماما كما ننام لكي نصحو أكثر قوةً ونشاطاً. (بروانبخ)