إبراهيم الطاسان ">
ثلاث عشرة سنة أمضيتها متصلة في ربوع اليمن السعيد -إن شاء الله.- محتكا بالشأن السياسي. تمدني بما يرسم ملامح الأمل الذي أتمناه لليمن بعد خلاصه من مليشيات الهدم والدمار والقتل والتشريد. الموروث الثقافي والاجتماعي يكون ثقافة الفكر السياسي، والفكر السياسي اليمني عميق متجذر في كل نفس يمنية. ولعل ما عرفنا عن ثقافة اليمنيين السياسية أقل مما نجهل. معرفتنا بتاريخ ممارسة الفكر السياسي تبدأ من مجلس شورى بلقيس. الذي أنبأنا عن ممارسة اليمنيين للثقافة السياسية. بقوله تعالى {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} (32) سورة النمل, وقد سبق هذه الآية الكريمة من سورة النمل: ما دل على أن الموقع الجغرافي لملكة تستشير قومها الآيات [20، 21، 22، 23] بقوله تعالى (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) (23).. ولله الحكمة. فقواعد عرش بلقيس لا تزال شاخصة، وسباء لاتزال هي سباء باسمها القرآني. كانت فترة إقامتي معاصرة لأحداث سياسية متغيرة. منذ بداية العام 1972 حتى منتصف 1984م. اليمانيون كلهم سياسيون، واليمانيون صدورهم رحبة للحوار والتحاور بدون ملل ولا يتسلط عليهم ويفسد حوارهم إلا جهلتهم كالحوثي والطامعين بدون ثمن كعلي عبدالله صالح. الذي عهدته ضابطا صغيرا لا يتجاوز حدود معسكره (خالد بن الوليد) لم يكن له اسم أو دور سياسي أو ثقافي أو وظيفي مهم يعرف به، حتى أتاحت له الظروف كطامع باغتيال الرئيس أحمد الغشمي ليقفز إلى واجهة الأحداث. وكونه مجهول قبل قفزته بعد اغتيال الغشمي. لا يعني أنه غبي. بل أثبت أنه ذكي جدا، ويعرف أن كل يمني سياسي بطبيعته. لذلك أتلف الجيش اليمني وألفه لحماية كرسيه بالمال والمراكز، وإدناء ذوي القربى الموصلة. وهو ما أثبتت الأحداث أنه كان يدرك أنه بدون إتلاف الجيش لنفسه، فمصيره مصير من سبقوه منذ قيام ثورة 26/سبتمبر 1962م. حيث تعاقب على رئاسة اليمن خلال -16- سنة خمسة رؤساء هم:عبدالله السلال، عبدالرحمن الإرياني، إبراهيم الحمدي، أحمد الغشمي، عبدالكريم العرشي. حتى قفز على السلطة عام 1978م وحينها كان برتبة رائد.. واليمن الذي سيخرج من محنة الحوثي وعبدالله صالح وميليشياته. -إن شاء الله- بحاجة للحكمة اليمنية وهم أهلها. حتى لا يتكرر موقف يماثل تصرف علي عبدالله صالح مستقبلا. لذ أرى: أن حكمتهم تقتضي منهم تنازل بعضهم لبعض (ما عدا من تلطخت أياديهم بدم اليمنيين). بتكوين كيانات تستظل الفدرالية التامة ليمارس كل منهم ثقافته السياسية داخل كيانه, وأن يكون المجلس التشريعي الفدرالي من غرفتين. ينتسب التمثيل في الغرفة الأولى إلى عدد سكان كل كيان, كأن يكون لكل مائة ألف نائب, والغرفة الثانية تتمثل فيها الكيانات بعدد متساوي.. وأن لا يكون اختيار الرئيس الفدرالي بالتصويت الشعبي المباشر.. وذلك أنه رغم تعمق الفكر السياسي في الفرد اليمني. إلا أن الوشيجة الاجتماعية القبلية قوية رغم ما قد توحي به الظروف والأحداث من مواقف متباينة، سيكون لها تأثير سلبي مباشر على حسن الاختيار للوظائف الفدرالية. ولمعالجة هذه الحالة. يكون اختيار الرئيس الفدرالي قبل أن يكون بالتصويت الشعبي المباشر خلال ثلاث أو أربع فترات رئاسية. بواسطة الغرفتين التشريعيتين بموافقة ثلثين الغرفة الاولى، [51% ] في الغرفة الثانية. وفي حال الإعادة لعدم حصول النسب في التصويت الأول يعاد على أساس النسب [51% ] في الغرفة الأولى، وثلثين الثانية لتلافي طغيان عدد أصوات الكيانات ذات الكثافة السكانية. وذلك لمعالجة الغبن الذي قد ينتج لطغيان الكتل السكانية الكبيرة. كما حدث فيما بعد الوحدة. ولا تزال آثاره منعكسة على بعض أبناء جنوب اليمن. وتلك الآثار البارزة على الجنوبيين هي التي جعلت علي عبدالله صالح وميليشيات الحوثي تسارع إلى عدن في محاولة منهم لعدم تمكينهم بإنصاف أنفسهم. واسترداد حقهم الطبعي بالمشاركة, ظنا من الحوثي، وعبدالله صالح أنهم متمكنون من استرداد السلطة بقوة السلاح.