ردع المتحرشين بسن القوانين! ">
المدينة المنورة - تحقيق - علي الأحمدي:
التحرش بكافة أنواعه ومسبباته، بات ظاهرة في الكثير من المجتمعات الإِنسانية ومنها المجتمع السعودي، وللتصدي لهذه المشكلة ومواجهتها قبل أن تستفحل وتصبح ظاهرة، ربما يصعب حلها، طرحت (الجزيرة) أبعاد التحرش وسلبياته وخطورته على المجتمع من خلال رؤى العديد من الشخصيات ذات العلاقة بالقضايا الاجتماعية، لمناقشة هذه الظاهرة وشرح مسبباتها وطرق علاجها والحد من تفاقمها.
وقد أجمع المشاركون في القضية على خطورة التحرش وتناولوا أسبابه وسلبياته واقترحوا بعض النقاط المهمَّة لعلاجه، مؤكدين أن مواجهة هذه الظاهرة تتم من خلال عمل جماعي يشارك فيه كافة شرائح المجتمع، وأن العقوبات الرادعة هي الخيار الأول للقضاء على هذه التصرفات الدخيلة على مجتمعنا السعودي المحافظ، فكانت هذه الحصيلة:
بداية قال الاستاذ بالجامعة الإسلامية، وأستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجامعة الدكتور غازي بن غزاي العارضي، انه في ظل المتغيرات النفسية والاجتماعية والثقافية التي تمثل ارتدادات حقيقية للنقلة النوعية في حياتنا المعاصرة، ولاسيما ما يتصل بأدوات التواصل المفتوحة بين مجتمعات العالم عبر وسائل التواصل، والتي ساقت إلى غلبة تأثير أنماط حياة الأقوى على الأضعف، وقد برزت ممارسة التحرش الجنسي كأحد نماذج الاقتباس السيئ من غير المجتمعات غير المسلمة، والتي تصادم أدبيات ديننا، وعاداتنا العربية الأصلية، والتي طفقت تفتك بأصالتنا وتجذر أخلاقنا السامية؛ وإزاء هذا النشوز الأخلاقي المشين، فإنَّ ثمة أساليب ووسائل ضرورية، لا بُدَّ من توظيفها في إلجام توسع هذا السلوك المعوج، والذي يتطلب تكاملا بين جميع الجهات المعنية خصوصاً المؤسسات الدعوية، والتربوية، والإعلامية، والثقافية، فإنَّ على كل قبيل مسؤوليته المحددة والتي لا يقوم بها سواه، وعدم الاكتفاء بالحل الأمني رغم حيويته ودوره الفاعل، واحسب أن على هيئة كبار العلماء ورجال القضاء والحسبة، مسؤولية استنباط أحكام تشريعية عقابية شديدة الوقع على المستهترين بأعراض الناس وسمعتهم، ليكون ردءا وعونا للجهود التوعوية الأخرى.
وقال الدكتور العارضي ما لم تتسم الجهود المضادة للتحرش بالديمومة والاستمرارية والمراجعة، فسنبقى نتلقى موجات التغيير السيئ، على مجتمعاتنا بسلبية متناهية، وجلد للذات، وعجز وتوسع لتلك الممارسة الخطيرة.
بينما تطرق الدكتور بهجت محمود جنيد، مدير إدارة التربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة سابقا، لهذا الموضوع في البداية من خلال مقارنة لما كانت عليه التربية في الماضي، وما هي عليه في الوقت الحاضر، قائلاً: كان كل أب وكل أم يتصرفان مع أبناء الحي أو الحارة كما يتصرفان مع أبنائهما، وكانت المسؤولية مشتركة بين كافة أفراد المجتمع، وما لا يرضونه لأهلهم لا يرضونه لغيرهم، وأضاف كانت تربيتنا في البيت هي الأهم عند الوالد والوالدة والأكبر من الأخوات والإخوان، وكانت كل أسرة تحرص على أن يكون أبناؤها هم القدوة الحسنة في الحارة والمجتمع، وفي المدرسة كانت التربية تسبق التعليم ويهتم بها الجميع إدارة ومعلمين وحتى الفراش والحارس يشعرون بهذه المسؤولية، وكان التحرش جريمة لا يرتكبها إلا الشواذ من الناس يعاقبهم عليها المجتمع بمكوناته الأسرة المدرسة مجتمع الحي، فكانت لا تتم إلا نادراً.
وقال جنيد في هذا العصر يبدو وكأن التحرش أصبح ظاهرة في مجتمعنا وإن لم يكن كذلك، والخوف أن يصل إلى هذه المرحلة، وحتى لا يصل وللحد من انتشاره، يجب علينا أن نستفيد من الماضي في دروسه وعبره ولا نقول الزمن تغير، فالزمن لا يتغير إنما نحن من تغير ويتغير باستسلامنا للمتغيرات حولنا.
وأشار إلى أن أبناءنا وبناتنا مظلومون تربويا، ومع ذلك نحملهم كل ما يحدث منهم من مشاكل وقضايا ومنها التحرش، وقال لعلنا ندرك اليوم وقبل فوات الوقت أننا جميعا أسرة ومدرسة وحارة ومجتمع سببا رئيسا من أسباب مشاكلهم وقضاياهم في المجتمع، وكما قالوا إذا فات الفوت لا ينفع السوط، والسوط هنا أقصد به التربية الصالحة. وهنا أريد أن أؤكد على دور الوالدين والمعلم في التربية فهما القواعد الأساسية للمجتمع الفاضل.
واذكرهم ونفسي أن نهتم بتربية أبنائنا على:
- الخوف من الله في السر والعلن.
- أداء الفرائض المطلوبة وفي مقدمتها الصلاة.
- بر الوالدين وطاعتهما.
- احترام الكبير في الأسرة وخارجها والعطف على الصَّغير.
- الصدق.
- حقوق الجيران.
- حقوق الأعراض.
- نزرع فيهم ثقافة كما تدين تدان ومالا ترضاه لأهلك لا ترضاه لغيرك.
- أن نكون القدوة الصالحة لمن حولنا من أبنائنا وبناتنا وطلابنا وطالباتنا والمجتمع الذي نعيش فيه.
وقال الخبير الأمني والباحث النفسي والاجتماعي الدكتور اللواء الدكتور/ نايف بن محمد المرواني ان التحرش الجنسي من الظواهر الاجتماعية الخطيرة، التي بدأت تستشري في مجتمعنا، التي لم يألفها من قبل، بحكم أصالة القيم والعادات التي ترفض هذا السلوك بكل أشكاله، واصفا المتحرش بأنه عادة ما يكون صاحب شخصية إجرامية ولديه سلوك منحرف بصورة عامة، وشذوذ جنسي بصورة خاصة، وتكمن خطورة التحرش في أنه يمس العرض للمتحرش بِه، والذي حفظته الشريعة الإسلامية ضمن الضرورات الخمس، كما أنه يخدش الحياء عندما يكون سلوكا بصورة فعل لفظي أو حركي قد ينتهي أحياناً إلى الاختطاف والاغتصاب، مما يتطلب عقوبات رادعة.
كما وصف اللواء المرواني الإجراءات التي تتبعها هيئة الأمر بالمعروف وغيرها - على سبيل المثال - في التعامل مع حالات التحرش تتسم بالركاكة والتواضع لعدم وجود مرجعية قانونية، والافتقار إلى جودة التعامل مع حالات التحرش، وهذه الإجراءات قد يترتب عليها تحول المتحرش من متحرش مبتدئ إلى منحرف، ناهيك عن غياب الإحصاء الفعلي كواقع معلن، والذي في الغالب يشير إلى انخفاض مؤشر قضايا التحرش، بينما الإحصاءات غير المعلنة تزخر بقدر من قضايا التحرش المتوارية بسبب القيم الاجتماعية والدينية، وشيوع ثقافة العيب التي تدفع ببعض أفراد المجتمع إلى الإحجام عن الإبلاغ عن قضايا التحرش الجنسي، ومعالجتها في إطار ضيق يشمل أطراف القضية.
وقال لا يمكن إرجاع أسباب التحرش إلى سبب بعينه، بل إنها متعددة ومتداخلة، فعندما تكون الذات الداخلية ضعيفة، لغياب الوازع الديني والضمير الأخلاقي، وضعف التنشئة الأسرية، وغياب رقابة الأسرة عن الأبناء، ذكورا وإناث على حد سواء، إلى جانب الدور الهام الذي تلعبه الضحية في حدوث الفعل نتيجة التبرج وولوج أماكن يكثر فيها الذكور، مما يتيح مساحة ملائمة تعين على السلوك المنحرف.
وطالب الدكتور المرواني بضرورة سن قوانين رادعة لمكافحة التحرش الجنسي تجمع بين السجن والغرامة والتشهير بالجناة، مع عدم إغفال دور الضحية من حيث العقوبة، وبما يحقق الحد من انتشار ظاهرة التحرش في مجتمعنا، على أن يكون مشروع العقوبة شاملا للإجراءات الوقائية والعقابية والعلاجية.
وبينت المدربة والمستشارة الأسرية الأستاذة / وردة مستور الحازمي أن التحرُّش ظاهرة موجودة في أغلب المجتمعات ، وهو ليس موضوعاً جديداً ولا متصلاً بمجتمع دون آخر، لكن بنِسَبٍ مختلفةٍ، ويمكن تعريفه بأنه : أي قولٍ أو فعلٍ يحمل دلالاتٍ جنسيةٍ تجاه شخصٍ آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه «. والتعريف بهذا الشكل يجمع بين الرغبة الجنسية والعدوان من طرفٍ إلى طرفٍ بغير تراض. وقد ظهرت لدى بعض العامَّة في مجتمعنا مثل هذه السلوكيات، وعن مسببات الظاهرة قالت الحازمي نجد أحدها يتمثل بوجود خللٍ في هرم الاحتياجات الإِنسانية. فقد وضع عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو ما يسمى هرم الاحتياجات، فوضع في قاعدته الاحتياجات الأساسية (أو البيولوجية) وهى الطعام والشراب والمسكن والجنس، ويعلوها الاحتياج للأمن، ويعلوه الاحتياج للحب، ويعلوه الاحتياج للتقدير الاجتماعي، ويعلوه الاحتياج لتحقيق الذات، ويعلوه الاحتياجات الروحية. فإذا فقد الإِنسان أحد هذه الاحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعى لإشباعها من نفس نوع الاحتياج إن وجد أو من احتياج آخر أعلى أو أدنى حسب ما يتاح له. فمثلا إذا فقد الإِنسان الحب، أو فقد التقدير الاجتماعي، أو فقد القدرة على تحقيق ذاته ، أو فقد القدرة على التواصل الروحي فإنه ربما يلجأ إلى سلوكياتٍ مختلفةٍ منها الجيد ومنها السيئ مثل التحرش والمخدرات وغيرها في محاولة منه لسد فجوة الاحتياج المفقود.
وأوضحت أن ضعف الروابط الأسرية داخل المنزل نفسه بين الإخوان والأخوات، يؤدي إلى وجود فجوةٍ لدى البعض في كيفية التعامل مع الطرف الاخر أو التعامل معه بسوءٍ، بناءً على تقاليد وأعراف تربى عليها ، فينظر البعض للمرأة نظرة احتقارٍ أو شكٍ وريبةٍ عند خروجها من المنزل لأي سببٍ كان، فيعطي نفسه الحق في الحكم عليها أو التحرش بها.
وقالت إن الإِنسان الطبيعي يتميز بحالةٍ من التوازن بين الدوافع والضوابط، وهذا ما يجعله يتمكن من السيطرة على دوافعه بناءً على الاعتبارات الدينية والأخلاقية والاجتماعية. وضوابط الإِنسان ليست كلها داخلية ً متمثلةًً في الضمير الشخصي، ولكن هناك الضابط الاجتماعي المتمثل في ضغط الأعراف والتقاليد، وهناك الضابط القانوني الذي يمثل نوعاً من الردع خاصة. لأولئك الذين لم يردعهم الضمير ولم تردعهم الأعراف والتقاليد الاجتماعية.
وطرحت الحازمي بعض العوامل التي يجب الاهتمام بها للوقاية من تفشي هذه الظاهرة في المجتمع ممثلة في أهمية التوعية الأسرية لجميع أفراد العائلة بهذه الظاهرة وكيفية الوقاية منها، وتوفير أماكن مخصصةٍ للشباب ليجدوا لأنفسهم متنفساً يساعدهم على تفريغ طاقاتهم وتوجيهها بالطريقة الصحيحة، وتفعيل دور الإعلام في التوعية من هذه الظاهرة وبث الرسائل التوعوية بشتى الطرق ليتم تعرية هذه الفئة وتسلّيط الضوء على سلبياتهم، وتنشيط دور المدرسة في تقديم توعيةٍ كاملةٍ للطلاب والطالبات وأولياء الأمور، وتفعيل المنابر ودور مراكز الأحياء التي تلعب دوراً مهماً في بناء وتعزيز ثقافة الوعي بالمسؤولية الاجتماعية واحترام الخصوصيات وكرامة النساء والإِنسان، وأهمية فرض عقوباتٍ رادعةٍ والتشهير بالمتحرشين حتى ينضبط السلوك في المجتمع.
وأكدت الأستاذة وداد حديجان الردادي، تربوية وقائدة تطوير بالابتدائية السابعة عشرة بالمدينة المنورة، إن ظاهرة التحرش آفة خطيرة وداء عضال، ولقد انتشرت في زماننا هذا، حيث ظن كثير من المستهترين أنهم أحرار في عقولهم وأجسادهم، يتصرفون فيها بما تمليه عليهم شهواتهم، فانطلقت أعينهم الجائرة والحائرة تبحث عن فرائسها كما لو كانت في الغابات، وانتشرت الفواحش والتحرش بالفتيات حتى بالأطفال، لعدة أسباب من أبرزها:
- الابتعاد عن القيم الدينية والأخلاقية، وغياب منظومة الأسرة عن القيام بدورها الأساسي في التربية والتنشئة الصحيحة واتجاهها نحو جمع أكبر قدر ممكن من المال في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء والصعوبة.
- اختفاء دور التربية والتعليم كلاهما من المدارس والمعاهد والجامعات.
- الفراغ الهائل الذي يعاني منه الشباب بسبب البطالة المتفشية واختفاء الساحات الرياضية التي يفرغ فيها الشباب طاقاته.
- اختفاء القدوة والمثل الأعلى.
- ارتفاع سن الزواج وارتفاع تكاليفه وتفشي ظاهرة العنوسة.
- تعاطي الشباب للمخدرات التي تفقد الوعي وتحث على ارتكاب التحرش أو الاغتصاب.
- سلبية المجتمع السعودي واختفاء قيم الرجولة والشهامة والنخوة (بحيث أصبح شباب الحي يعتدون على جاراتهم في الحي ذاته!!).
- انتشار الفضائيات والمواد التليفزيونية الإباحية واللا أخلاقية.
- تساهل الفتيات في لبس الحجاب وانتشار ظاهرة العبايات المخصرة والملونة وكذلك الليونة في طريقة التعامل والحركة.
- من أمن العقوبة أساء الأدب لذلك لا بُدَّ من رصد عقوبات شديدة على المتحرش وألا تتدخل بها الواسطات.