سعادة رئيس تحرير الجزيرة -حفظه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لقد طالعت ما كتبه حمزة السالم في صحيفة الجزيرة (15654) وتاريخ 1436/10/23هـ في مقاله تحت عنوان (سلفية تفجير المساجد).
وأقول وللأسف الشديد إن هذا الكاتب قد كثرت تخبطاته وتعددت افتراءاته للدعوة السلفية الصافية النقية التي قامت عليها دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية، فبالأمس يتهمها بالدعوة المتجمدة!! والمتخلفة عن مواكبة الدولة السعودية للحياة المعاصرة!! ويطالب الدولة بالتخلي عنها!! لأنها كما يزعم أشبه ما تكون في العناية المركزة وعلى فراش الموت!!
وفي مقاله السابق واللاحق يرمي هذه الدعوة بالجمودية والانفلاتية والتطرف وأن المتطرفين تأثروا بها!! فأقول يا سبحان الله فهذا الكاتب محسوب على هذه البلاد المباركة وهو من بني جلدتنا ويتكلم بألسنتنا!! وما علم أن دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب دعوة تجديدية لما كان عليه الرسول- صلى الله عليه وأصحابه فهي دعوة ولله الحمد قائمة على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة حتى ولو سعى من سعى إلى تشويهها والتنفير منها بكيل التهم والافتراءات والأكاذيب عليها.
ومن ذلك أنهم رموها زورا وبهتانا بتهمة تكفير المسلمين وأن الجماعات التكفيرية الخارجية مثل داعش وتنظيم القاعدة وغيرها تأثرت بهذه الدعوة السلفية، وهذا كذب وافتراء، فإن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله- من أبعد الناس عن تكفير المسلمين الموحدين، يعرف ذلك المنصفون من المسلمين وغير المسلمين الذين قرؤوا أقواله وطالعوا مؤلفاته.
فمن أقواله- رحمه الله-: (وأما ما ذكر الأعداء عني: أني أكفّر بالظن، وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله). وقال أيضا: ((وأما التكفير، فأنا أكفّر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى مَن فعله؛ فهذا هو الذي أكفّره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك)). وقال أيضا: (والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبيّن منه ما يخالف ذلك) وقال أيضا: ((وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله؟! إذا لم يهاجر إلينا)) وقال أيضا مخالفا منهج الخوارج: ((ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام)).أ.هـ رحمه الله
فهذا هو موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- من التكفير فكيف تنسب إليه بعد ذلك هذه الجماعات التكفيرية الخارجية الضالة المنحرفة؟؟, وأما موقفه من القتال- رحمه الله- فيقول عن نفسه: (لم نقاتل أحدا إلا دون النفس والحرمة على سبيل المقابلة) وقال أيضا: (لا نرى قتل النساء والصبيان) وقال أيضا: (لا نقاتل إلا على ما أجمع العلماء عليه كلهم وهو الشهادتان)أ.هـ, فأين هذا وما تفعله داعش من قتال المسلمين وقتال أصحابهم جبهة النصرة بل خرج من داعش نفسها الآن طائفتان كل طائفة تكفر الأخرى وترى قتالها، جعل الله بأسهم بينهم شديدا.
وإن الناظر بعين العدل والإنصاف في سيرة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- يرى فيها العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق بالمخالفين, ومن ذلك ما ذكره عنه حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن-رحمه الله- أنه في ابتداء دعوته كان يأتي الذين يدعون زيد بن الخطاب- رضي الله عنه- ويستغيثون به فكان يقول لهم (الله خير من زيد) تمرينا لهم على ترك الشرك بكلام لين نظرا إلى المصلحة وعدم النفرة، فلم يقل لهم أنتم كفار مشركون أنتم مرتدون ثم يدعو إلى قتالهم بل كان يترفق بهم ويطلب هدايتهم بالتي هي أحسن، فشتان بين هذا العالم الكبير وبين من يتكلم في نواقض الإسلام وهو لا يعرف نواقض الوضوء أو يفتي في حرمة الدماء وهو لا يعرف شروط الصلاة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
ومما له صلة بالموضوع أن سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز- رحمه الله- سئل عمن يقول: إن عقيدة الخوارج كانت عقيدة سلفية وانهم أي الخوارج سلفيون؟ فأجاب- رحمه الله- بقوله: ((هذا قول باطل، وقد أبطله النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله في الخوارج: ((تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم)) وفي لفظ آخر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الخوارج: إنهم ((يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان))، وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في النار؛ ولهذا قاتلوا علياً- رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة وغيرهم، فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين)) أ.هـ. وسئل أيضًا عن المعادين لدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- فقال- رحمه الله-: (فالذين عادوا الشيخ قسمان: قسم على الشرك: فعادوه لأنه دعا إلى التوحيد وهم مشركون ضالون, وقسم آخر: جهال غرهم دعاة الباطل فهم جهال قلدوا جهالا, أو قلدوا مغرضين، والمشركون عادوا الرسل وحاربوا دعوة الرسل جهلا وضلالا, وقوم آخرون - عن بصيرة كاليهود وأشباههم - عادوا الرسل وعادوا ما جاء به الرسل عن بصيرة حسدا وبغيا وطاعة للهوى نسأل الله العافية).
ومما قال شيخنا العلامة صالح الفوزان- حفظه الله- عن الذين ألصقوا الإرهاب بالدعوة السلفية: (والذين ألصقوا هذه الأعمال الإجرامية بالدعوة يريدون بذلك تشويهها وتنفير الناس منها، ويقولون: إن الذين يقومون بهذه الأعمال الإجرامية وهابيون، وقد انطلت هذه الفكرة على بعض الناس فصار ينفر من هذه الدعوة ومن أهلها وهو لايدري ما وراء الأكمة من كيد وصد عن هذه الدعوة المباركة، وهي بريئة كل البراءة من الإرهاب والتخريب؛ لأنها دعوة إصلاح وخير وأمن وإيمان واتباع لاابتداع لا دعوة إفساد في الأرض).
وقال أيضًا -حفظه الله-: (وان هؤلاء المخربين إنما أخذوا فكرهم الهدام من فكر الخوارج الخارجين من قبل على الإسلام، وأخذوه من دعاة الضلال الذين وصفهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأنهم دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها قيل: صفهم لنا يا رسول الله قال: هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)) أ.هـ.
إذا تبيّن ذلك فإنني أهمس همسة في أذن الكاتب حمزة لا أحجبها عن غيره وأرجو أن تصل إلى قلبه لتكون مانعا من اعوجاج قلمه, وهي أنني أقول له بكل فخر واعتزاز إن الدولة السعودية والدعوة السلفية صنوان لا يفترقان، وولاة الأمر في بلادنا- ولله الحمد- يفتخرون بهذه الدعوة السلفية منذ عهد المؤسس الملك الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى وقتنا الحاضر، وإذا كنت تريد البيّنة والبرهان فإنني أذكرك - هداك الله - بقول أمير السنة الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز أثناء إفساحه لندوة (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) التي أقيمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر صفر عام 1433هـ حيث قال- رحمه الله- (إن هذه الدولة المباركة، قامت على المنهج السلفي السوي منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود وتعاهده مع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، ولا تزال إلى يومنا هذا بفضل الله وهي تعتز بذلك، وتدرك أن من يقدح في نهجها أو يثير الشبهات والتهم حوله فهو جاهل يستوجب بيان الحقيقة له، إننا نؤكد لكم على أن هذه الدولة ستظل بإذن الله متبعة للمنهج السلفي القويم ولن تحيدَ عنه ولن تتنازل، فهو مصدر عزها وتوفيقها ورفعتها، كما أنه مصدر لرقيها وتقدمها لكونه يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فهو منهج ديني شرعي كما أنه منهج دنيوي يدعو إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين واحترام حقوقهم).
كما أذكرك يا حمزة بقول ولي أمرك وأمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله تعالى- في محاضرته التي ألقاها في الجامعة الإسلامية: (إن قيام الدولة السعودية الأولى وانتشارها الواسع في شبه الجزيرة العربية ونجاحها في إرساء الاستقرار والأمن والحكم الرشيد، أدى إلى النقمة عليها، لذا بدأ البعض بإطلاق مصطلح (الوهابية) على تلك الدعوة لتنفير المسلمين من هذه الدولة ومبادئها الصحيحة وأنا هنا أدعو الجميع إلى العودة إلى تراث الشيخ محمد بن عبد الوهاب والبحث في ثناياه عن أي شيء يخالف الكتاب والسنة النبوية المطهرة ولن يجدوه, أين الجديد أو الاختراع في هذه الدعوة حتى يطلقوا عليها أشنع الألقاب والصفات ويصمونها بأنها تتضمن أشياء غريبة خارجة عن الدين الإسلامي).
وأيضًا أذكرك بقول آخر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- في مقالة له بعنوان (فليحذر الباحثون من فخ مصطلح الوهابية): (إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست منهجاً جديداً وليست فكراً جديداً وأكرر هنا المناداة بأن من يستطيع أن يجد في كتابات الشيخ ورسائله أي خروج على الكتاب والسنة وأعمال السلف الصالح فعليه أن يبرزه ويواجهنا به لذا أدعو الكُتّاب والباحثين إلى عدم الانسياق وراء من ينادي بالوقوع في فخ مصطلح «الوهابية» وأنه مجرد مصطلح، بينما يتناسى هؤلاء الهدف الحقيقي من وراء نشر هذا المصطلح للإساءة إلى دعوة سلفية صحيحة ونقية، ليس فيها مضامين تختلف عما جاء في القرآن الكريم وما أمر به نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم-، خاصة أن هذا التشويه جاء من عدة جهات متعددة لا يروق لها ما تقوم به تلك الدعوة الصافية من جهة، وما أدت إليه من قيام دولة إسلامية تقوم على الدين أولاً وتحفظ حقوق الناس وتخدم الحرمين الشريفين.. وهي الدولة السعودية التي مكَّنها الله في هذه البلاد لتخدم المسلمين جميعاً وتحافظ على هذا الدين، لأنها قامت على أساسه ولا تزال).
وأخيرًا أقول للكاتب حمزة السالم - سلمه الله من شر نفسه والهوى- وأما كون داعش والجماعات التكفيرية المتطرفة يستدلون ببعض كلام أئمة الدعوة السلفية ومنهم شيخ مشايخنا الإمام محمد بن إبراهيم- رحمه الله- فهذا لا يضر أئمة الدعوة لأن الخلل راجع إلى الجهل والفهم السقيم لنصوص أولئك الأئمة، وحالهم كحال سلفهم الخوارج الأوائل الذين استدلوا على عقيدتهم الفاسدة بآيات من القرآن فهموها على غير وجهها الصحيح، وهذا الفهم الخاطئ لا يقدح في القرآن بل هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رضي الله عنه-: (وكانت البدع مثل بدعة الخوارج، إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، ولم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب) أ.هـ.
فإذا كان ضلال الخوارج الأوائل بسبب سوء فهمهم للقرآن العزيز والمحكم المبين فلا تعجب حينئذ من ضلال الخوارج المعاصرين اليوم الذين يستدلون بالمتشابه من كلام أئمة الدعوة السلفية ويتركون المحكم لسوء فهمهم وشدة جهلهم وانطماس بصيرتهم.
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
وقال الآخر:
ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ
يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا
والله تعالى أسأل لي وللكاتب حمزة السالم وللمسلمين أجمعين الثبات على الدين القويم والصراط المستقيم وأن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين وإفساد الخوارج المارقين والله الهادي إلى سواء السبيل.
د. عمر بن عبد الرحمن العمر - عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء وإمام وخطيب جامع الأميرة حصة بنت عبد العزيز بالرياض