إبراهيم الطاسان ">
كثيرا ما تنبعث من بعض الأقلام رائحة أحبار لا لون لها. تظلل غايتها بتوشية الصفحات بزخارف من بدائع المفردات الدالة على القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والوطنية. وحينما تتردد بين أحرف تلك المفردات بحثا عن الغاية. تجدك في دوامات تدور بك بين مشاجب تعلق عليها مقاصد الدين والدولة، والتطرف والاعتدال، والظلم والعدل والديمقراطية والدكتاتورية، وحكم الفرد، والليبرالية والاضطهاد. وحينما تعييك القدرة على استخلاص أيهما أراد الكاتب. تنسدل أمامك لوحة الواقع. لتحرك عليها دوامات الكاتب لترى أيهما تستقر بتطابق على مساحة من الواقع. ليقول لك الكاتب ما يقوله لاعب الشطرنج كش ملك. لكن الواقع حينما يتأمله الوعي والإدراك. يصل إلى نتيجة مفادها أن لا واقع يمثل تلك التسميات والصفات للنظم السياسية. وبالتالي لن يقول: لك أحد كش ملك. ذلك أن ألأشياء تتصف بثبات الذات. فالهواء الرقيق المتصف بالنسمة العليلة هو ذاته الهواء العاصف المغبر. كالإنسان الضعيف البنية هو ذاته الإنسان القوى البنية الشديد. والديمقراطية كنظام حكم متصفة بذاتها بالثبات، ولكن التطبيق يجعلها مثيلة للهواء، والإنسان. تختلف بين الشدة واللين. لأنها دائما قاصرة دون الكمال. ولو أخذنا النظم الغربية المختلفة بين نظم. رئاسية، وبرلمانية، وجمعية. نجدها كلها متطرفة يمينا في جوانب، ويسارا في جوانب اخرى. أباحت زواج المثليين، وممارسة الدعارة مصنفة على الخصوصية الشخصية، والخصوصية الشخصية مصنفة على اللبرالية. ومع السقف المرتفع للحرية الشخصية نجد أمثال قانون باتريوت في ما يصنف بأمثل النظم الديمقراطية، الولايات المتحدة الأمريكية كنظام يأخذ بالنظام الرئاسي. فاختيار الرئيس كنموذج للنظام الرئاسي في الواقع المعاصر. نجد عنصرين من عناصر التطرف في النظام الديمقراطي. العنصر الأول: حكم الفرد. فالرئيس هو رئيس الدولة، وهو رئيس الحكومة، وهو رئيس السلطة التنفيذية الفدرالية، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. العنصر الثاني: أن الشعب الأمريكي مسير ليختار بين من سماهم المجمع الانتخابي. بسطوة المال والدعاية، فمنذ نشأت الأحزاب في الولايات المتحدة، لم يفوز مرشح واحد مستقل. ومن جانب آخر نجد متطرف دينيا، فالدين سطوته، فالديانة دور في نجاح وإخفاق المرشحين. ولأسباب تاريخية أغلب الشعب الأمريكي على المذهب البروستنتى. لذا كان كل الرؤساء الأمريكيين بروستنت عدا الرئيسالوحيد جون كندى الكاثوليكي الذي اغتيل أثناء حملته الانتخابية الثانية. ونجد في السلطة القضائية الخارجة عن سلطة الرئيس نظام المحلفين، وهم مجموعة من عامة الناس غير مختصين ولا متخصصين. هم من يقرر أن الأدلة والقرائن كافية لإقامة الدعوى على المتهم، وهم من يقرر بعد المرافعات أن الأدلة والقرائن كافية أو نافية لتسمية المتهم بريئا أومجرما. والحقيقة أن ما يرفضه المنطق لا يقبله العقل. وليس من المنطق أن تقسم الدول بين دولة دينية، أي دوله يحكمها رجال الدين، ودولة مدنية تحكمها اللبرالية. فالدين الصحيح المحفوظ من العبث والتزوير. ثابت الصفة لا يميل للتطرف نحو اليمين أو اليسار. بل وسطا وسطيته جعلته صالحا للعبادات والمعاملات. ففيه الدستورية وفيه القانون المدني وفيه قانون الضرائب والبيوع والنظام الصحي والثقافي إنما يميل بعض أتباعه بين الإفراط والتفريط. وهنا يحدث ممن تغلب عليهم غايات ممنهجة لا تستهدف سلامة القيم الفاضلة والمقاصد البريئة. يعلقوا غاياتهم على مشاجب القيم والمقاصد، والدين والدولة والقيم والأخلاق. ومن هذه المنطلقات انبعث فكر الإرهاب. حينما جلس أرباع المتعلمين على مقاعد الراسخين في العلم. فأخذوا يسقطوا النصوص في غير معانيها ومالأتها بعيدا عن فهم مقاصدها. فلا هم قادرون على مقارنة الفعل بالقول، ولا القول بالفعل. اقتداء بفعل وقول النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كان مثلا: ضمن بنود صلح الحديبية: أنه من أتي محمدا من قريش من غير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه. وفى هذا الصلح طبق القول بالعمل. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب مع سهيل بن عمرو مفاوض قريش. جاء ابو جندل بن سهيل بن عمرو يريد الالتحاق بالمسلمين. فلما رآه أبوه. قال يا محمد قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا - يقصد ابنه- قال صلى الله عليه وسلم صدقت. وحينما بدأ أبو جندل يصرخ يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين فقال صلى الله عليه وسلم احتسب إلى أن قال: إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا تغدر بهم. فما بال من يلوون ألسنتهم وأقلامهم لتتوارى غاياتهم وراء عبارات مبهمة تستتر لا يفهم منها إلا أنها تستمطر الشر لتبرعم أوراق آمالهم بالعبث بأمن وسلامة العباد والبلاد في هذه المملكة الطاهرة العزيزة بمجد رجالها، وحماية الرحمن الرحيم لها.