سمر المقرن
ترى الجماعات الإرهابية أن انضمام المملكة إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية «كفر» يُوجب الخروج على الحاكم، ويبيح إقامة العمليات الإرهابية، وهذا أحد أوجه عمليات «توسيخ» الدماغ التي يتبعها من يقوم بجلز أدمغة الشباب ويثير مشاعرهم السلبية تجاه حكومتهم ووطنهم.
ولعل الاتفاقية الدولية الوحيدة التي لاقت كثيرًا من هجوم المتشددين هي القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مع العلم أن المملكة قد قامت بالتوقيع على معظم الاتفاقيات الدولية التابعة للأمم المتحدة، إلا أنها لم تلفت اهتمامهم كونها لا تخص المرأة، التي تُعتبر في مقاييس هذه الفئة «العنق» الذي بإمكانهم فرض السيطرة عليه من باب الدين، واستغلوا استفحال الجهل لدى فئات في المجتمع، وتسليم - بعضهم - آذانًا صاغية لهم من أجل تمرير أهدافهم «السياسية» من خلال هذه الفئة البسيطة، ولعل ما يُؤكد على ما أقوله أن أغلب من يتم استخدامهم لمحاربة الوعي في المجتمع بشكل عام، هم مجرد أناس يقومون بترديد الكلام دون وعي ودون فهم، لذا من الصعب محاولة مناقشتهم مثلاً حول هذه الاتفاقية لكونهم من الأساس لم يقرؤوها ولا يدركون أبجديات هذه الاتفاقيات ولا كيف تنشأ ولا آلية عملها ولا أي شيء حولها، ولعلي هنا ألوم في التقصير بالتوعية والتوضيح وزارة الخارجية من جهة، ووسائل الإعلام من الجهة الثانية.
إن هؤلاء الذين يستخدمون هذه المعاهدة الدولية لبث الفتنة في المجتمع من خلال البسطاء والجهلة، هم يقصدون بالمقام الأول هذا الوطن، ومحاولة فرض السيطرة عليه بطريق غير مباشر في أن تخضع لهم الدولة التي وقَّعت على هذه المعاهدة منذ عام 2000م، وبعد مضي كل هذه السنوات والتزام المملكة بتقديم تقاريرها الدورية للجنة المعنية بالاتفاقية، مع ذلك، ما زالوا يقومون بالتعبئة من خلال المنابر والندوات والجلسات للطعن وترويج الأكاذيب حول هذه الاتفاقية، بل ووصل الأمر إلى قيام بعض أساتذة الجامعات بإيقاف المحاضرات وتحويلها للحديث عن الاتفاقية وحشو رؤوس الصغار - شبابًا وبنات - بالأكاذيب التي حاولوا ترويجها، منها كذبة أن المادة الخامسة من الاتفاقية تدعو إلى الشذوذ الجنسي وإباحة الزواج المثلي، والمادة الخامسة تقول بالنص:
تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:
(أ) تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
(ب) كفالة تضمين التربية العائلية فهماً سليماً للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، والاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهوماً أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساس في جميع الحالات.
لا أدري حقيقة أين المطالبة هنا بالشذوذ والزواج المثلي؟!.. وهي في فقرتها الأولى تضع ضرورة تغيير السلوكيات التي تضع المرأة في مرتبة أقل، فهل هذا فيه شذوذ؟ أما الفقرة الثانية فهي تضع مسؤولية الأطفال على الأبوين، وأن لا يتحمّل المسؤولية واحدٌ دون آخر، فهل هذا شذوذ؟!
بكل صدق، فإن الشذوذ الفكري المصابة به هذه الفئة التي تكذب الكذبة وتصدقها وتروّجها من خلال استغلال المنابر بكل أشكالها، هو ما يحتاج إلى اتفاقية وطنية للقضاء عليه وتخليص المجتمع من كل أشكاله!