حمد بن عبدالله القاضي ">
للثقافة بمختلف أشكالها سواء ثقافية أو اجتماعية جناحان تحلّق بهما لنشر الوعي، والمعرفة، والعطاء.
الجناح الأول هو جناح المؤسسات الثقافية والاجتماعية الرسمية بمنشآتها ونشاطاتها ودعمها.
الجناح الثاني وهو موضوع هذا المقال هو: الأهلي والشخصي والمتمثّل بالمؤسسات الأهلية الثقافية وبالمنتديات الثقافية الشخصية.. وتركيزي هنا - سيكون على الأخيرة منها.
إن المتابع للحراك الثقافي والاجتماعي في بلادنا يجد المنتديات الشخصية التي أقامها بعض أبناء الوطن من القادرين والمحبين للثقافة وخدمة المجتمع، فضلاً عن حرصهم على اللقاء بإخوتهم المواطنين من أصحاب الاهتمامات الثقافية والاجتماعية.
إنني من خلال مشاركاتي بهذه المنتديات بالإسهام أحياناًً والحضور آونة أخرى بحسب ظروف وقتي ومن واقع معرفتي ببعض أصحاب هذه المنتديات الثقافية الاجتماعية فإني وجدت لها أثراً كبيراً بخدمة الثقافة والمجتمع، وجاءت مناشطها معاضدة لمناشط الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية الرسمية، وإن كانت المنتديات الشخصية تحظى بحضور وتفاعل أكبر من الرسمية كما رأيت ورأى غيري.
دعوني أشير إلى اهتمامات بعض هذه المنتديات من واقع معرفتي رؤية لا رواية.
وأبدأ بمنتدى أدبي هو من أوائل المنتديات لدينا وهو ((منتدى الشيخ حمد الجاسر)) - رحمه الله - الذي كان يعقده ضحى كل خميس ويتوافد عليه الكثير من المثقفين والمهتمين ومن يرغبون النهل من علم العلامة الجاسر، وعندما انتقل إلى رحمة الله استمر هذا المنتدى تحت مسمى «مجلس حمد الجاسر» بحرص من أسرة الشيخ: حرمه وأبنه م/ معن وبناته على استمرار هذا المجلس، وقد صار له تنظيم مؤطر بعد رحيله - رحمه الله - عبر اختيار موضوعات متنوعة، ويتم اختيار شخصيات تتحدث فيه بحسب نوعية عنوان الندوة المحددة، كما يبادر المجلس لتكريم من ينتقل إلى رحمة الله من أبناء الوطن ومثقفيه.
وأما المنتدى الثاني ولعله أشهرها حالياً وهو ((منتدى إثنينة خوجه)) التي لعله أب هذه المنتديات، فالإثنينية تحظى بحضور لافت، ويتم الإعداد لها بشكل مؤسسي، ونهجها هو تكريم إحدى الشخصيات البارزة على مستوى الداخل والخارج، فضلاً عن قيامها بطبع الكثير من الكتب القيمة.
ثم تأتي ((ثلوثية المشوح)) وهي الأخرى تحظى بحضور جيد، وتركز على اختيار شخصية ثقافية أو اجتماعية تتحدث عن قضية تهم الثقافة والمجتمع، ويتم فيها تكريم المتحدث، كما تقوم بطباعة بعض الكتب التراثية والتاريخية عبر ((دار الثلوثية)).
ومن هذه المنتديات الشخصية الفاعلة ((اثنينية الأستاذ حمود الذييب)) والتي يقوم عليها ويحرص تنظيمها صاحب المنتدى وأبناؤه، حيث يتم عقدها مساء كل اثنين، ويتم اختيار موضوع رئيس لها سواء كان ثقافياً أو اجتماعياً أو شأناً يهم الوطن يتحدث فيه أحد الأسماء التي لها نشاطها الثقافي أو الاجتماعي، ويدور الحوار بعدها بين الحضور المتنوع من مثقفين ومعلمين ورجال أعمال وشباب، حيث يحرص راعيها أن يكون حضورها من مختلف الأطياف لإثراء الحوار والنقاش، كما يحرص صاحبها - بأريحيته - على حضور أكبر عدد ممكن حيث يتواصل هو أو أحد أبنائه مع الضيوف لدعوتهم.
ومن المنتديات المتميزة بالمنطقة الشرقية منتدى الشيخ عبداللطيف الفوزان الدوري في الخبر الجميلة، ويتم فيه اختيار شخصية بارزة معروفة وتحديد موضوع معين يهم الناس لتناوله، وهي الأخرى لها حضور متميز لمكانة صاحبها الشيخ عبداللطيف الفوزان وللعناية بتنظيمها وحسن الإعداد لها.
ومن هذه المنتديات ندوة الأستاذ عبدالكريم الجاسر، ويركز راعيها الفاضل على اختيار الموضوعات التي يحتفي بها الوطن كمناسبة اليوم الوطني وغيرها، وأحياناً تكون جلسة عامة ليس لها موضوع محدد.
وهناك منتدى الأستاذ عبدالمحسن الحكير الذي يعقد كل أسبوع، وقد سعدت بالمشاركة بإحدى جلسات هذا المنتدى عندما تحدثت عن الراحل د/ غازي القصيبي وسط حضور وتفاعل جيد.
هناك منتديات أخرى لا أستطيع الحديث عنها لأني لم أحضرها رغم التكرم بالدعوات التي تصلني، ولكن وقتي والتزاماتي لا تسمح لي بالتشرف بالحضور وبخاصة في مدينة كالرياض تحديداً التي تتم فيه عشرات المناسبات من رسمية وشخصية واحتفالية وثقافية.
وبعد: إنني من خلال قراءتي ومتابعتي لما يُطرح بهذه المنتديات الشخصية أرى أنها تشكل إضافة مهمة لمنظومتنا الثقافية والاجتماعية، وأنها أسهمت بحراكنا الثقافي والاجتماعي سواء منه المنبري أو الطباعي أو التكريمي، بل إن بعضها فاق بعض ما تقوم به بعض الأندية الأدبية وبعض المؤسسات الثقافية، وذلك لكثرة حضورها وتنوع موضوعاتها والتزام أصحابها بمواعيد ثابتة، وقد رأينا مخرجاتها تثري انطلاقتنا الثقافية سواء بما يتمخض عنها من نقاشات ورؤى جديدة تسهم بخدمة الوطن، أو من خلال ما تطبعه بعض هذه المنتديات من كتب فتثري بها المكتبة السعودية، بل لمسنا أثر هذه المنتديات في تحفيز الأسماء الثقافية على المزيد من العطاء والإبداع والإنجاز والحوار.
وقبل أن أختم مقالاتي أشير من باب الوفاء إلى منتديات كانت قائمة لكنها توقفت برحيل أصحابها - رحمهم الله - ومن أشهرها:
منتدى ((الشيخ عثمان الصالح))، فقد كان يماثل ((أثنينية خوجة)) بجدة بحضوره الكثيف ونوعية المتحدثين البارزين الذين يعقب حديثهم حوار فاعل وجميل، وهناك منتديات رحل أصحابها لكن استمرت واستأنفت نشاطها، ومنها منتدى الدكتور الأديب راشد المبارك - رحمه الله - وقد كانت ندوة منظمة وكان صاحبها يضع لها برنامجاً ثرياً منوعاً ما بين الشأن الأدبي والعلمي، حيث إن د/ راشد يجمع بين الإبداع الأدبي والتخصص العلمي، وبهذا كان تميز ندوته - رحمه الله.
ومن هذه المنتديات منتدي الشيخ الأديب عبدالعزيز الرفاعي - رحمه الله - الذي كان يعقد كل جمعة بمنزله، وبعد رحيله استمر هذا المنتدى وفاء من صديقة الفاضل الشيخ أحمد باجنيد وتم تسمية المنتدى بـ: منتدى الوفاء.
ختاماً هناك منتديات أخرى لا أستطيع الحديث عنها لأني لم أحضرها رغم التكرم بدعواتها التي تصلني، ولكن الوقت لا يسمح لي بذلك وبالرياض تحديداً التي تتم فيه عشرات المناسبات من رسمية وشخصية واحتفالية وثقافية.