عبدالعزيز السماري
تقدمت بعض دول أوروبا الغربية وفي مقدمتها ألمانيا والنمسا وفرنسا خطوة إلى الأمام في قرار استقبالهم للاجئين العرب، وتجاوزوا بذلك مخاوفهم السابقة من انتشار الإسلام في أوروبا وازدياد العنف والإرهاب الديني، ولعل هذه الخطوة تعد أكبر خطوة في اتجاه هيمنة الأخلاق الإنسانية في مواجهة الأخلاق الدينية التي خسرت كثيراً مع ازدياد العنف الطائفي في بلاد المسلمين، والمدهش في المشهد أن مختلف الفعاليات الاجتماعية شاركت في الترحيب باللاجئين.
كان الخطاب الألماني مختلفاً تمامًا، وظهر ذلك في تصريح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والتي قالت «إن ما نعيشه هو أمر سيشغلنا في السنوات القادمة وسيغير بلادنا، ونريد أن يكون هذا التغيير إيجابيا، ونعتقد أن بوسعنا تحقيق ذلك»، وعلينا أن لا ننسى أن ألمانيا كانت قبل قرن من الزمان أكبر معقل للعنصرية العرقية ممثلة في النازية، لكنهم تجاوزوها، وأصبحوا الآن يرحبون باستقبال المهاجرين العرب والمسلمين، ويثبتون للعالم أن في مقدور الأمم أن تتجاوز ماضيها، وتثبت للعالم غير ذلك.
تواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية أكبر محنة إنسانية في تاريخها، وتواجه أمة المسلمين انهيارات وتصدع في البنية الأخلاقية التي كانت تتغنى بها لقرون، بعد ظهور ممارسات باسم الدين تبرر القتل والسبي وامتلاك واغتصاب النساء، ولم يكتف المشهد الإسلامي من تلك الفصول المروعة في امتهان كرامة الإنسان، بل تسابقت بعض الرموز الإسلامية المحسوبة على المشهد العام في تأكيد أن «سبي النساء حلال»، ومعتبرا أن «من يقول بتحريم السبي جاهل وملحد»، وفي ذلك تأكيد أنه لا زال في زمن التخلف بقية..
ما يحدث على الأرض العربية من توحش وجرائم وأفكار مروعة هو نتاج الكبت والاستبداد، والذي لم يأت فقط من السياسي، بل كان للفكر الديني المعاصر دور كبير في اغتيال العقل الإنساني، وخلق المبررات لخلق حالة من العنف غير المسبوق، وما يجري الآن هو صراع بين اتجاهين أحلامها أقرب لمرارة «العلقم»، أحدهما النظام السياسي البدائي والمهووس بامتلاك القرار والثروة والسلطة، والآخر الاتجاه الأصولي التفكيري بذراعيه السني والشيعي والمشحون بثقافة الانتقام وتفجير وقتل المخالفين.
علينا أن نتوقف عن الحديث من خلال تلك النبرة الفوقية في خطابنا الديني والقومي والوطني، وأن نراجع أين يكمن الخطأ في أفكارنا المعاصرة، والذي تسيطر عليها النرجسية والأحادية المفرطة التي لا تخرج من تلك النظرة المتوجسة من الآخرين، وقبل ذلك أن نتساءل بصوت عال: هل الإسلام في صورته الحالية هو الحل؟ بعد أن أثبتنا للعالم أننا أمة متفرقة ومتنازعة، ولا تملك أي وسيلة غير إطلاق الرصاص على طاولة الحوار.
أيها المسلمون.. الإسلام المعاصر ليس له علاقة بتلك الرسالة العظيمة التي نزلت على خير الأنام عليه أفضل الصلوات والتسليم، فقد ظهرت نسخة مشوهة لهذا الدين منذ بزوع ثورة الخميني في إيران، وماتلاها من ثورات دينية في الجانب الآخر في الدول العربية، والتي انتهت في خروج داعش وأخواتها، وقد أثبتت لأنفسنا قبل العالم أن ما حوته الكتب الصفراء من القرون الوسطى بعد الفتنة الكبرى كان ألغام انفجرت في وجوه المجتمعات العربية والإسلامية في الزمن المعاصر.
أيها المسلمون ..هل انتهيتوا من الركض خلف تلك الرموز التي لا تحمل في عقولها إلا القتل والكراهية والبغضاء، و هل حان الوقت لإخراج براثن الكهنوت من عقولكم، ثم استبداله بأفكار متسامحة غير متسلطة، وتقبل ثقافة الاختلاف، وتقدم العفو عن المقدرة، أم لا زلتم تشعرون بالعطش لمزيد من الدماء في الميادين من أجل أن تصلوا لتلك القناعة المنتظرة، وليكن كذلك، ولكن هل ستصلون بعد ذلك لتلك القناعة في مستقبل الأيام.؟
أيها المسلمون.. مهما طال انتظاركم في الجلوس في حلقات الذكر الديني المتطرف، لن تجدوا في عقول بعض الرموز الدينية غير التكفير والرصاص والأحزمة الناسفة، فخلاياهم العصبية لا تفرز إلا الفرقة والتشرذم والموت، ولايوجد سبيل آخر غير الخروج منها إلى الأبد، والعودة إلى الجذور الإنسانية المشتركة، والتي لا تختلف في فطرتها عن كثير من الأخلاق الإسلامية الأصيلة التي جاءت في البدء لتكمل مكارم الأخلاق الإنسانية..
أيها المسلمون ..لتكن ألمانيا مثلكم الأعلى فيما حصل، فقد تجاوز الألمان الفكر النازي العنصري، وبعد أن توقفوا عن الجري خلفها، ثم تحولوا بعد عقود إلى أمة تستقبل اللاجئين المسلمين داخل حدودها، وجاء الدور عليكم لتتوقفوا من الانقياد الأعمى خلف العنصرية والأفكار الطائفية البغيضة، فهل أنتم منتهون منها..!