أرشيف الوجع ">
ماجعلني قارئة شغوفة أحمل مجموعة من أسماء الكتّاب المفضلين لي هما سببين.. أولاهما قدرة الكاتب على تقديم نوع عال من الخيال بطريقة لا يمكنني تصورها وما يقدمه لي الكاتب من دهشة، أما السبب الثاني.. وهو السبب الأهم بنظري هي قدرة الكاتب على تصوير أحزانه.. إن الحزن هو ما يخترقنا، أن نجد من يتحدث تماماً عمّا نشعر به، إنها المواساة والعزاء، حقيقة هذا ما قد يبحث عنه القارئ لدى الكاتب، إن شعور أننا وحيدون في كل هذا قاتل، يمتص سعادتنا شيئا فشيئاً يجعلنا «كخضراوات بشرية» هذا التعبير المميز الذي رافقني سنوات طويلة من كتاب «زهايمر» آخر ماكتبه غازي القصيبي رحمة الله، الروائي محمد علوان أدرك السبب مبكرا قائلا: «غشاك حزن؟ الصديق يربت على كتفك.. والعاشق يربت على قلبك.. والكتاب يربت على عقلك..» نعم إن الكاتب والكتاب أهم ماقد يقدمانه هي المواساة بألطف طريقة حزينة وهي الربت.
شكري المبخوت في روايته الحائزة على البوكر مؤخراً عن رواية «الطلياني» يعبّر عن حزنه بقوله: خرقت الصمت معك أنت.. أنت الوحيد الذي فتحت له أرشيف وجعي».
يرى بيغوفيتش ميزة الكاتب الأولى الملاحظة، وهذا ما يجعلهم تُعساء.. هل الإدراك لدى الكاتب هو بوابة الحزن ؟ لكل رؤيته.. لكن المؤكد هو أن لدى كل كاتب متمكن استطاع أن يلج إلى عقول الناس استطاع من خلال حزنه ووجعه.
البلغاري جورجي غوسبودينوف أصدر رواية حملت اسم (فيزياء الحزن) يتحدث فيها عن إدراك مفاجئ بأن الحياة تمضي وأن هناك أشياء معينة لن تحدث لك أبدا، لأسباب شخصية وجغرافية ففي زمن القسوة الذي يهدد العالم فإن فكرة الفناء تجد صدى معينا لها في بلد تتحول فيه المناظر الطبيعية الجميلة إلى أنقاض وأطلال وخرائب من جراء تلك الإيديولوجيات الغامضة المبهمة، ووعودها الفاشلة، وتتحول المعالم الأثرية إلى منتجعات مهجورة، وتزدهر المجمعات السكنية نتيجة الطفرة العقارية، رواية وعظية تربوية محبطة، يحاول فيها الراوي تفهم أسباب حزنه وشعوره بالعذاب. لقد وجدت أننا نبحث باستمرار عن طريقة لنتعايش مع الحزن والكاتب هو المساعد في تقبّل هذا الحزن..
يذكر إمبرتو إيكو في إحدى حواراته الصحفية:
إن الحزن يبدأ مع انتهاء الرواية.
هذا هو السبب الوحيد الذي يحدوني لكتابة رواية أخرى. لكن في حال لم تكن تلك الرواية بانتظارك، فمن الحماقة محاولة استعجالها.
على أي حال، لا أريد من العبارات الأخيرة أن تولد بشكل آلي وجهة نظر أخرى شائعة بين الكتاب السيئين - بالتحديد إن المرء يكتب لنفسه. لا يثق بمن يقولون ذلك. إنهم غير آمنين ونرجسيين كذبة.
ثم شيء واحد تكتبه لنفسك وذلك هو قائمة المشتريات. إنها تساعدك على تذكر ما تود شراءه، وحين تنجز شراء كل شيء بمقدورك إتلاف القائمة لأنها لا تفيد أحداً. كل شيء آخر تكتبه، إنما تكتبه لقول شيء لشخص ما».
- أحلام الفهمي