د. أحمد الفراج
كتبتُ مقالاً عن اللاجئين السوريين، وتساءلت عن مغزى الإنسانية التي هبطت فجأة على العالم الغربي، وهو العالم ذاته الذي تفرج على المجرم بشار الأسد، وعصابته الطائفية، وهو يقتل شعبه بدم بارد، فلم يكتفِ النظام الدموي في سوريا بقتل الثائرين، وإنما ألحق بهم الشيوخ والنساء والأطفال. وجدير بالذكر أن كل التقارير العسكرية أشارت إلى أن إلقاء النظام السوري البائس بالبراميل المتفجرة على رؤوس شعبه لا يخدمه عسكرياً على الإطلاق، بل هو مجرد تفريغ لحقد الطائفة التي تحكم سوريا، والتي اشتهرت تاريخياً بالخيانة والقسوة والعنف في تعاملها مع كل من يختلف معها، فقد كانت هذه الطائفة عميلة للاستعمار الفرنسي، ثم واصلت عمالتها حتى أصبحت مجرد ترس يدور في فلك حكومة الملالي في طهران، وتطعن أشقاءها العرب في الخاصرة كلما سنحت الفرصة بذلك.
حسناً، تزامن مع إنسانية الغرب المفاجئة تجاه إخوتنا السوريين هجوم على دول الخليج، وخصوصاً المملكة، واتهامها بالتقصير تجاه الشعب السوري!! ومن الواضح أن هذا الهجوم مدبر، ومسيس؛ فقد تم تصعيده من قِبل أقلام وأفواه يتم شراؤها بأرخص الأثمان، من شاكلة سيئ الذكر عبدالباري عطوان، ومن هم على شاكلته، وكذلك الحزبيون، وخصوصاً تنظيم الإخوان، بما في ذلك إخوان المملكة، الذين يتماهون كعادتهم مع كل ناعق يتهجم على بلادهم. والمثير للسخرية هو أن هذا الهجوم على بلادنا جاء بعد أن تنزلت الإنسانية على الغرب، قبل أسابيع فقط. ونقول لهؤلاء المنتقدين ومن يقف وراءهم: «صح النوم.. هل تعلمون ما فعلته المملكة لإخوتنا السوريين على مدى سنوات، عندما كنتم أنتم والغرب في سبات عميق، وتسترزقون على حساب الدماء السورية؟!!». ويبدو لي أن هؤلاء الذين يهاجمون المملكة يتوقعون منها أن تتعامل مع إخوتنا السوريين كما تتعامل معهم بعض الحكومات، أي تبني لهم مخيمات معزولة، وتمن عليهم بخدماتها، وتفتح المجال لوسائل الإعلام لاستباحة أماكنهم، كما يجري حالياً حتى في بعض الدول الغربية!!
المملكة العربية السعودية أعلنت منذ اليوم الأول لبدء المأساة السورية، أي منذ سنوات، فتح حدودها لأشقائنا السوريين، وفتح مدارسها وجامعاتها ومستشفياتها لخدمتهم.. والمملكة، ولأسباب أخلاقية وإنسانية، أكبر من أن تبني لهم مخيمات معزولة؛ فهي تنظر لهم مثلما تنظر لمواطنيها، كما أنها تربأ بهم أن يكونوا عرضة لفضول وسائل الإعلام. ولقد كان - وما زال - بإمكان المملكة أن تفتح سجلاتها ليطلع العالم على الرقم الفعلي الكبير جداً لإخوتنا السوريين الذين نستضيفهم، وعلى العدد الكبير من المقيمين السوريين الذين تم تمديد إقاماتهم منذ بدء المأساة. وبإمكان المملكة أن تعلن الرقم الفعلي للمبالغ الطائلة التي أنفقتها على خدماتهم، ولكنها كعادتها لا تحب المزايدات، ولا تلتفت للمهاترات؛ فما يهمها هو أن يشعر المواطن السوري بأنه في بلده، وأن يحصل على كل ما يساعده على العيش الكريم. ولئن كانت المملكة تعمل دوماً بصمت لخدمة إخوتنا العرب والمسلمين في كل مكان، وتحت أي ظرف، فإنها ستواصل ذلك مع إخوتنا السوريين، دون أن تلتفت للناعقين، ونبراسها في ذلك هو قول المعلم:
أنام ملء عيوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم