محمد سليمان العنقري
عندما أُنشئت وزارة الإسكان قبل أربعة أعوام ونصف العام اعتقدت أنها بما تملكه من إمكانيات مادية وعينية وتنظيمية تستطيع أن تُوجد الحلول بنفسها وبزمن قياسي، إلا أنها بدأت تواجه الواقع بعد ذلك الذي كشف لها أنه بدون تنسيق وتعاون مع كل الأطراف بالسوق لن تستطيع إيجاد حلول متكاملة، إنما مبادرات مؤثرة كمنتج أرض وقرض لكنها غير كافية للتحول نحو صناعة عقارية حقيقية توجد الحلول لطالبي السكن وتدعم النمو الاقتصادي.
فالحل يبدأ من النظر لإمكانيات واحتياجات طالبي السكن، أما الأدوار فيجب أن توزع بين الأطراف حسب اختصاصهم فالقطاع المالي قدم ما لديه من رؤية للتمويل العقاري للأفراد، وفق آلية أخذت بعين الاعتبار حماية الممول وطالب التمويل من خلال وضع سقف أعلى عند 70 بالمائة لتمويل شراء الوحدة السكنية أو الأرض، مع الأخذ بمقدار دخل المقترض كمعيار لحجم ما قد يحصل عليه من قرض، إلا أن ما نسمعه منذ صدور هذا التنظيم من قِبل المطورين يتركز على أن شرط حجم التمويل أعاق المقترضين عن الحصول على المال الكافي لشراء منتجاتهم بينما لم يتطرقوا إلى أن المشكلة هي بارتفاع قيمة تلك المنتجات إلى مستويات أضعفت القدرة على شرائها لشرائح عديدة من طالبي السكن، ولذلك تصبح مقترحاتهم المتعلقة بإعادة النظر بهذا الشرط للتمويل غير مناسبة وتدخل باختصاص طرف آخر هو قطاع التمويل، مما يُعد خللاً كبيراً برؤيتهم للحلول.
فمن المفترض أن يقدموا ما لديهم حول ما يواجهه قطاع التطوير من عوائق كبطء اعتماد المخططات، أو طول مدد التراخيص أو تكاليف الخدمات، وكذلك تمويل مشاريعهم أو توفير العمالة وليس تمويل طالب السكن أو المنتج العقاري، فإذا كان جل تركيزهم على كيفية حصول الأسر على قروض كبيرة تناسب قيمة منتجاتهم دون النظر لعواقب ذلك على معيشة الأسر والنظام المالي مستقبلاً، فإن ذلك يُعتبر محاولة احتكارية للحلول وفق المصالح الضيقة من البعض، وأيضاً تفكير مختزل لا يفضي إلى ديمومة للصناعة العقارية بشكل عام، بل يُعد قاصراً على تحريك السوق لفترة مؤقتة يتم خلالها بيع ما لديهم بأسعار مرتفعة قد يكون بعضهم تورطوا بتكاليفها المرتفعة مع الاندفاع خلال السنوات الماضية نحو التطوير دون حساب، لابتعاد التكاليف عن القوة الشرائية الحقيقية للأسر التي ستضعف مع كل ارتفاع بالتكاليف، خصوصاً من المؤثر الذي كان الأسرع بالارتفاع وهو أسعار الأراضي.
وبنفس الوقت لا يفترض أن تقوم شركات التمويل بالتدخل بحلول تخص المطورين، لأنها أيضاً ستراعي مصالحها فقط دون النظر لما قد يلحق بهم من أضرار، إلا أنه حقيقة لم نسمع من أي طرف تمويلي تدخله بطرح حلول تتعلق بالمطورين، فكل طرف يفترض أن يقدم ما يخصه لتجتمع كامل الملفات من كل طرف على طاولة وزارة الإسكان، لتبلور الحلول التي تدعم ظهور رؤية متكاملة قابلة للتنفيذ، ويصبح طالب السكن الذي هو المحرك الحقيقي لقطاع الإسكان بنهاية المطاف والمستهدف من كل تلك الأطراف قادر على اتخاذ قراره وفق إمكانياته واحتياجاته.
حلول الإسكان لا بد أن تبدأ من النظر لواقع طالبي السكن وفق الدخل والاحتياجات، وكل طرف معني بما يخصه ودور الوزارة إيجاد الحلول المتكاملة كي يتحول القطاع لصناعة ترفد الاقتصاد الوطني بمزيد من النمو وتحول ملف الإسكان من مشكلة إلى داعم كبير للاقتصاد وجذب الاستثمارات وتنوع بالمنتجات السكنية والتمويلية ضمن منطق يحقق العدالة بالسوق، ولا يكون بمبادرات قد تحل نسبة بسيطة من المشكلة لفئة أو شريحة كما يروّج الآن للقرض المعجل، بينما ستبقى المشكلة كبيرة لأن الإستراتيجية غير مكتملة.