د. محمد عبدالله العوين
مليونان ونصف المليون يعيشون في المملكة العربية السعودية منذ أن اندلعت شرارة الأحداث في سوريا العزيزة، وقبلهم عشرات الآلاف من السوريين العاملين في كل مرافق الحياة في المملكة، شأنهم شأن مئات الآلاف من الإخوة الأشقاء العرب يعيشون بيننا مكرمين معززين؛ فلسطينيون ولبنانيون ويمنيون وغيرهم.
لم تقم المملكة للمليونين ونصف المليون سوري مخيمات لجوء؛ بل عدتهم ضيوفا هيأت لهم الإقامة الميسرة ومنحت لهم فرص التعليم بحيث استوعبت المدارس السعودية أكثر من مائة ألف طالب وطالبة، ودخل مئات الآلاف من السوريين إلى سوق العمل في المملكة.
وقدمت المملكة بدون منة ولا ضجيج إعلامي ملايين الدولارات لمنظمات الإغاثة الإِنسانية، وسيرت قوافل المساعدات لمخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا محملة بالأغذية والملابس والخيم والعلاج، وأرسلت أيضاً فرقا من الأطباء والمستشفيات المتنقلة إلى مخيم الزعتري وغيره.
وقبل أن أثير بعض التساؤلات عن مأساة المهجرين والدور الأوربي وما يقال عن تقصير دول الخليج في إيوائهم من مزاعم؛ يطرأ على البال تساؤل مهم: لم يترك السوريون بلادهم ويفرون إلى العالم هاربين من الموت إذا كان الموت يأتيهم من الجماعات المسلحة؟ ولم يحتموا بالجيش العربي السوري ويلجؤون إلى ما بقي تحت ظل حكم بشار من أراض ربما تصل إلى ثلث سوريا أو أقل بقليل؟ ألم يدع النظام السوري أنه يستطيع حماية شعبه في الأراضي التي يسيطر عليها فلم يهرب منه شعبه؟!
التساؤل الثاني: لِمَ يفر المهجرون بعيدا إلى دول أوروبا معرضين أنفسهم لخطر الغرق أو الموت جوعا وتشردا وقريبا منهم إيران التي تدعي وقوفها مع الشعب السوري وحكومته؟ فلم لا تفتح إيران لملايين الفارين من الجحيم جنتها وتقيهم من ويلات المنافي البعيدة؟!
وربما كان من الأولى والأقرب إلى المنطق أن يبحث عقلاء العالم ومدعو الإِنسانية فيه لا عن وسائل إيواء ملايين المعذبين المهجرين المنفيين إلى كل أصقاع العالم فحسب؛ بل عن أسباب ما حدث ويحدث في سوريا لقطع دابر الموت الذي يزهق آلاف الأرواح في كل ساعة، واجتثاث دواعي الخراب والتدمير والتهجير والشتات؟!
من جر كل هذا البلاء على الشعب السوري؟ من استخدم الشبيحة الذين ليس لهم دور في الحياة غير إزهاق الأرواح؟ من رمى المدن والقرى ببراميل الموت؟ من قذف البراميل على طوابير المخابز ودمر عشرات المطاحن ليموت السوريون جوعا؟ من حاصر مخيم اليرموك أكثر من ثلاث سنوات حتى عاد سكانه ضلوعا يابسة ومات الكثيرون منهم جوعا وظمأ؟ من قذف الكيماوي على المدن والقرى السورية حتى فقد الآلاف حياتهم أو تشوهوا عقليا بسبب هذا الإجرام؟ من استقدم آلاف القتلة المدربين إلى سوريا ليعيثوا فيها فسادا وإجراما وانتهاكا لكل المحرمات من حزب الله في لبنان ومن حزب الدعوة وعصائب الحق في العراق وآلاف القتلة من إيران وتركيا وروسيا؟!
من خلق داعش وأخرج آلاف التكفيريين من السجون وكون لهم دولة وتنازل لهم عن الرقة والموصل والمطارات والمراكز العسكرية؛ ليمارسوا التصفيات الطائفية وليعلنوا للعالم أن البديل لبشار هي « داعش «!
لو لم يستخدم النظام السوري الدكتاتوري العنف ويفتك بالشعب السوري؛ لما حدث ما حدث، ولما تكونت وتخلقت التنظيمات الإرهابية التي فتح لها النظام أبوابه وأخرجها من سجونه وفق خطة محكمة مدبرة؛ لإشاعة الفوضى في العالم العربي والإسلامي حين أحس النظام بأنه ساقط لا محالة، ومن باب « علي وعلى أعدائي « !
لقد صرح بشار ذات يوم بعد اندلاع الثورة عليه « أنه سيصدر الخراب والموت إلى المنطقة كلها « وهو ما حدث بالفعل؛ فقد كوَّن مع أسياده الفرس التنظيمات الإرهابية كداعش وأطلق لها العنان لا لتنحر وتهلك الحرث والنسل في سوريا فحسب؛ بل لتصدر مفهوماتها ورؤيتها التكفيرية وفصائلها إلى العالم العربي وأفريقيا؛ فرأيناها في ليبيا واليمن ونيجيريا وغيرها. يتبع