الملك سعود أسس الأنظمة الداخلية وفتح آفاق التواصل خارجيا ">
يعرف عن الملك سعود رحمه الله أنه كان حريصا على عدم التخلي عن المبادئ التي نشأ عليها وآمن بها طوال فترة حياته بدءا بمساعدة والده في توحيد وتأسيس المملكة مرورا بولايته للعهد وانتهاء بحكمه للبلاد وحتى وفاته.
وقد تميز رحمه الله بالإخلاص والتفاني والرغبة في تحقيق المنجزات المتواصلة والسريعة، ولم تنطفئ في وجدانه شعلة العطاء لمصلحة بلده تأكيدا لما وعد شعبه به عند اعتلاءه العرش. ولم يكن التفاني في العمل ميزته البارزة فقط، بل إن الإنسانية كانت سمته وكانت كلمة الخير ومدلولها المنفذ والطريق للعبور إلى أعماق قلوب الشعب فوصفوه « بأبو الخيرين «.
ولقد استشعر المغفور له الملك عبد العزيز الجانب الإنساني في ابنه سعود في مواقف كثيرة، ورأى أن النوايا الحسنة هي أحد أساليبه لمد جسور التعاون مع الناس حيث تولى دوراً واضحا في التفاهم مع القبائل في سبيل لم الشمل بمنافذه الإنسانية واحتوائهم بالحب والعطاء، واندفع بما في نفسه من إنسانية رائعة مستشعرا بحبه واقع الضعفاء وتلمس احتياجاتهم ورغباتهم ومواطن شكواهم في كل زياراته للمناطق في فترة حكم والده ثم فترة حكمه.
ولقد كان لملازمة الملك سعود رحمه الله لوالده وجده دورا بارزا في اكتسابه العادات وتقاليد القبائل والبادية وسياسة التعامل معها، وكان لديه ميلا واضحا لحياة البادية في سن مبكرة، ولعل ملازمته الدائمة لوالده وعلاقته المتميزة به انعكست وبشكل واضح في سلوكياته.
وتذكر العديد من المصادر العائلية والمحلية والأجنبية بما فيها الدبلوماسية بأن الملك سعود عندما شب كان من أشبه الناس بوالده في طوله وبنيته وسماته والعديد من سجاياه ومزاياه الحميدة واستقامته وشهامته، إضافة إلى كرمه المشهود، وصدقه، وميله للعفو، مع حزمه وشدته في مواضع الشدة، ولقد اختبر الملك عبد العزيز رحمه الله مقدرات ابنه سعود على الصبر والاحتمال في سبيل تنمية قدراته السياسية وجعله مفوضاً عنه في التعامل مع القبائل فكسب ثقتهم وتقبلوا قيادته لهم وتوجيهاته، وظهر ذلك واضحاً من خلال مواجهته تطورات وأحداث أزمة الأخوان في عام( 1348هـ/1929م ) ومحادثاته مع زعماء هذه الحركة إذ إن ثقة القبائل بشخصيته المستقيمة الصادقة وتعامله معهم ومعالجته لأمورهم بالتفهم والحزم دوراً إيجابياً كبيراً خلال هذه الأزمة. كما أن حب الناس والقبائل له ساهم أيضاً في العديد من الأحداث السياسية مثل ما حدث في حرب اليمن عام (1352هـ / 1934م).
وقد نوهت المصادر البريطانية السرية بأن أحداث حرب اليمن ساهمت في لفت أنظار العالم إلى ولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبد العزيز، وظهرت إنسانية الأمير سعود أيضا في التضحية والافتداء بنفسه لإنقاذ حياة أبيه الملك عبد العزيز رحمه الله، أثناء محاولة اغتيال الملك عبد العزيز عام (1353هـ/ 1935م). عند طواف الإفاضة في 10 من ذو الحجة، حيث حاول أربعة أشخاص يمنيين قتل الملك عبد العزيز وكان ابنه سعود خلفه فرمى سعود نفسه فوق أبيه حمايةً له وتلقى الطعنات في كتفه وظهره، وكاد أن يتعرض للموت وأعدت هذه الحادثة مضرباً للمثل في حب الابن لأبيه وافتدائه.
وكان الملك عبد العزيز يتفاءل بابنه سعود خاصة وأن ولادته كانت في نفس يوم فتح الرياض في الخامس من شوال عام 1319هـ، كما أنه كان دائماً يقول بفضل الله ثم بفضله حماني الله ثم سعود من خناجر الخونة والغدرة في حادثة الحرم الشهيرة، وفى حادثة أخرى قال:» أنقذنا الله ثم ولدي سعود من جدار في قصر المربع كنا نتفيأ في ظلاله وحملني على ظهره وصاح بالجالسين معي محذراً، وسقط الجدار بعد ثوان من ابتعادنا عنه؛ حيث أنه رأى أن الجدار على وشك التهاوي بسبب العاصفة».
وترى في شخصية الملك سعود العديد من الجوانب التي توضح مدى التصاقه بالشعب أفراداً وجماعات، والسؤال عن حاجاتهم وتلبيتها لهم دون إعلانه عن ذلك، ومما يذكره الرواة من كبار السن في الرياض وقراها والإحساء أن آلاف الأسر كانوا يتسلمون قبل دخول شهر رمضان المبارك سنوياً مواد غذائية تشمل الأرز والسكر والطحين والتمور والشاي والهيل والبن ولم يعلموا أن مصدرها الملك سعود إلا بعد أن انقطعت عنهم بوفاته يرحمه الله، كما أنه وفي جولاته للمناطق وأثناء زيارته لمدينة تبوك والتي كانت تسمى إمارة المقاطعة الشمالية عام( 1373هـ/1953م)، أمر معالي أمير المقاطعة الشمالية الأمير خالد بن أحمد السديري رحمه الله بتقديم بيانات عن المحتاجين وخصص لهم قواعد سنوية.
وقام بزيارة مدينة تيماء ووقف على بئرها المسمى (هداج) وأمر بشراء أربع مكائن كبيرة وتركيبها على حسابه لرفع الماء من البئر بعد أن عرف معاناة الأهالي من رفع الماء منها بالطريقة البدائية وذلك مساهمة منه لسقياهم وسقيا مزارعهم ومواشيهم كما تصدق على الفقراء منهم، وكان يتنكرّ في الليل ويركب (الوانيت) لتوزيع الأكل والصدقات على المحتاجين بنفسه.
وفي عام (1374هـ / 1954م)، أمر معالي الأمير مساعد بن أحمد السديري بالتوجه إلى مدينة ضبا لتفقد أحوال أهلها وكان من ضمن من تفقدهم أهالي جزيرة تابعة لضبا يسكنها حوالي 40 أسرة يعيش أهلها على صيد السمك ويبيعها بنظام المقايضة، بسكر وأرز وطحين، وأمر معالي الأمير مساعد السديري أحد موظفي الامارة بإعداد برقية عن حال هذه الأسر ونقلهم إلى مدينة ضبا ليتمكنوا من تعليم أبنائهم، واقترح أن يكون المرتب الشهري لرب الأسرة ثلاثين ريالاً وتم رفعها للملك سعود رحمه الله وقد وضع سهواً 300 ريال بدلاً من 30 ريال في تقريره، وحين تم تعميد أمين عام مال وجمارك الشمال السيد صالح الوكيل رحمه الله والذي شك في أن المبلغ فيه لبس حيث أن رواتب الموظفين في الامارات لا تزيد عن 250 ريال ومدير عام الإمارة والجمارك لا يتعدى 400 إلى 600 ريال شهرياً... ورفع معالي الأمير مساعد السديري الأمر لجلالة الملك سعود رحمه الله مصححاً الوضع ومشيراً إلى أن المرتب المقترح لهذه الأسر هو 30 ريالاً وليس 300 ريال، إلا أن الملك سعود أمر بصرفها 300 ريال ورد في أمره البرقي لمعالي الأمير مساعد السديري « أن المولى جل وعلا هو الذي رزقهم وأعطاهم « واستمر صرفها لهم بواقع ثلاثمائة ريال للأسرة.
كما شجع تكوين الهيئات الخيرية وصناديق البر كبداية لتنظيم أسلوب العمل الخيري وقد كتب الشيخ صالح محمد جمال رحمه الله في جريدة البلاد في العدد (1111) في 10 / 3 / 1373هـ مقالاً بعنوان (يا أصحاب الثروات أحسنوا كما أحسن الله إليكم) وتناول في مقالته حاجة بعض الأسر للمساعدة وتم تكوين صندوق البر بمكة المكرمة وكون له مجلس إدارة برئاسة عبد الله عريف وتولى صالح محمد جمال أمانة السر، كما تولى محمد حسن مطاوع أمانة الصندوق. ورفعت الهيئة تقريرها الأول إلى الملك سعود في30 / 3 / 1375هـ. موضحين مساعدتهم لعدد 158 أسرة ورغبتهم في مساعدة 229 أسرة وبإجمالي 19الف ريال، وساهم الملك سعود ودعمهم بمبلغ 10.000ريال تلاه مساهمات لكبار تجار وأعيان مكة المكرمة وجدة واستمرت هذه الهيئة في خدماتها الخيرية إلى وقتنا الحالي والتي تسمى الآن جمعية البر بمكة المكرمة، وفي مدينة الرياض وافق الملك سعود على إنشاء صندوق البر لمساعدة المنكوبين والمحتاجين في خطاب وجهه إلى أمير الرياض في 6/ 9 / 1374هـ وبادر الشيخ محمد بن إبراهيم في تأليف هيئة من الرجال الأفاضل لتأسيس هذا المشروع، وبادر الملك سعود بالتبرع لهذا الصندوق ثم توالت بعد ذلك تأسيس جمعيات البر في المملكة.
ولم تكن مساهماته الخيرية في الداخل بل أنه أيضاً تولى دعم العمل الخيري خارجياً وقدم المساعدات للهيئات الإسلامية الخيرية فتبرع للمسجد الأقصى والصخرة المشرفة بمبلغ مليوني ريال، وذلك لترميم المسجد الأقصى والصخرة المشرفة. وساهم ودعم فتح العديد من المبرات في سوريا كجمعية رعاية اليتيم السعودي عام 1375هـ وإقامة مسجد في حلب باسم الإخوان السلفيين.
ونتيجة لتبرعات الملك سعود للفقراء في إحدى مدن باكستان فقد أطلق اسمه على المدينة وسميت (سعود أباد).
وفي لبنان تم إنشاء خلية الملك سعود في المقاصد الخيرية ببيروت لتبرعه لها وتؤوي أكثر من 300 يتيم ويتيمة وتضم مدرستين لأيتام اللاجئين الفلسطينيين وللعديد من المشاريع الخيرية مثل فتح «دار الرياض» وهو جناح رعاية الطفل الذي أنشأته مؤسسة باسم الملك سعود بمناسبة زيارته لمبرة التحرير في القاهرة. كما تبرع لدور الأطفال الأيتام بالقدس وعمّان ونابلس.