الملك فيصل شخصية بهرت العالم إنسانية وحنكة قيادية ">
الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود - طيّب الله ذكره- شهد له من عايشوه ورافقوه وتعاملوا معه بالنزاهة والزهد والتواضع، مع صدق بالقول والمواعيد، واطلاع جم على مجمل المعارف الدينية والدنيوية، وعرف عنه - رحمه الله - بالمبادرة بكل ما يعود بالخير والنفع على البلاد والعباد من أعمال وطنية إنسانية، وعلاوة على ذلك فقد سجّل الباحثون والمؤرّخون وأهل الاختصاص في دوائر عالمية متعددة ما لا يمكن حصره عن شخصية الملك فيصل كقائد فذ وحكيم ملهم في الإدارة والسياسة، هنا وقفات في هذا الإطار مقتبسة من مضامين ندوة عن مدرسة الملك فيصل بن عبد العزيز، يتحدث خلالها أحد أنجاله الكرام صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل عن شخصية والده من جوانب عدة، تُضاف إليها إضاءات عن أسلوب الملك الراحل في الإدارة والحكم مقتبسة من منشورات مؤسسة الملك فيصل الخيرية.
احترامه للمواعيد وتقدير الوقت
يؤكد سمو الأمير تركي الفيصل أن والده يهتم بالوقت، حيث يخصص أكثر ساعات وقته في العمل، ووقت آخر لأسرته، مشيراً إلى أن الساعات كانت على التوقيت العربي، حيث كان اليوم يبدأ في المغرب وينتهي بالمغرب (24) ساعة.
سعة الاطلاع بالقراءة
وتحدث عن سعة اطلاعه على كافة أمور الدنيا المعاصرة في ذلك الحين، وحبه للقراءة، وتحديداً كتب التاريخ، والاستشهاد بالأحداث التاريخية، والشعر، والأدب، وتذوقه للكلمة الجميلة شعراً كان أو نثراً أو قولاً، والإنصات إلى الآخرين في مجلسه دون مقاطعة، كما كانت الصحف، والمجلات، والكتب موجودة دائماً إلى جواره، سواء في مجلسه أو كان ذلك في الطائرة أثناء رحلاته.
التنمية والاقتصاد
وعن الجوانب الداخلية في عهد الملك فيصل؛ أكَّد الأمير تركي الفيصل على أن التحديث ليس في التعليم فقط، ولكنه شمل المشروعات الإنمائية كالمواصلات، والمستشفيات، والتجارة وتنمية القطاع الخاص كالكهرباء أو في بعض المصانع البتروكيماوية.
البعثات الدراسية
وأضاف: ميزانية المملكة في ذلك الحين ربما لا تتعدى بليوني ريال، وعندما تقارنها بما وصلت إليه فيما بعد كانت ميزانية لا تعني شيئاً، والبلد فعلاً كان فقيراً في موارده المالية، وفقيراً في كفاءاته البشرية، فالبعثات للمملكة إلى الخارج كانت مهمة؛ وأكبرها كان في مصر، وهناك أيضاً عدد لا بأس به في بيروت، ودمشق، وأمريكا، وهؤلاء الطلبة حينما عادوا إلى الوطن ملأوا شواغر كبيرة كانت في الجهاز الحكومي أو في التجارة الخاصة، والشيء المهم كان هو تطوير العملية التعليمية فجلب عدد كبير من المعلمين من مصر.
شبكة المواصلات
وأشار إلى أن الملك فيصل كان مؤمناً بأن شبكة المواصلات ستكون هي الوسيلة والبنية الأساسية لخدمة المجتمع، وأنها ستربط المملكة كلها، فكان يحرص على مشروع مثل مشروع جبل (كرا) في الهدا على أساس أنه سيختصر المسافة بين المنطقة الشرقية ونجد مع مكة وجدة بساعات؛ وقال: عمل الملك فيصل على تطوير وبناء الخطوط الجوية العربية السعودية، وبناء المطارات في أنحاء مختلفة من المملكة؛ لتوفير التواصل بين المواطنين وتوصيل خدمة الحكومة للمواطن في مكانه بدلاً من الانتقال.
دعوة التضامن الإسلامي
عن هذا المحور قال: عندما زار الملك فيصل - رحمه الله- عام 84 أو 85هـ الصومال، وأيامها كانت هناك حكومة في الصومال، ورئيس الوزراء كان اسمه عبدالرشيد علي شارماركي، وأثناء الحفل الرسمي تقدّم رئيس وزراء الصومال ودعا الملك فيصل للقيام بتجميع الدول الإسلامية في إطار التضامن، ورد عليه الملك فيصل: (شكر لك هذه المبادرة وسأطرح هذا الموضوع على إخواني العرب في المؤتمر القادم)، حيث كان هناك مخطط لمؤتمر قمة عربي يعقد في المملكة المغربية، وبالفعل طرح الملك فيصل على القادة ووافقوا على أن يكلّف الملك فيصل بزيارة الدول الإسلامية؛ لينشد ويطلب منهم التضامن مع إخوانهم العرب في ذلك الحين، وتمت زيارات بدأت بإيران، حيث بايع شاه إيران الملك فيصل بأن يقود التضامن الإسلامي، وتبع ذلك زيارات لإفريقيا، وبدأت تتبلور فكرة التضامن الإسلامي.
نهل من مدرسة المؤسس
وأخذ الملك فيصل، ومنذ نعومة أظفاره، يتشرّب صفات القيادة من والده الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي كان حريصاً على تعليم ابنه، مباشرة، فنون السياسة، وأساليب التعامل بنجاح مع الناس والمواقف المختلفة، مهما تباينت صفاتهم أو حاجاتهم، ما أثر في سلوكه رحمه الله، حيث عرف بالحزم والحلم وحسن الإدارة، الأمر الذي دفع بالملك المؤسس - رحمه الله- إلى إسناد أدوار قيادية إليه في سن مبكرة.
واستمراراً لسياسة الباب المفتوح التي كان ينتهجها والد الملك فيصل - رحمهما الله- كان يقيم مجلساً مفتوحاً لمناقشة القضايا المختلفة، ولرد المظالم، وساهمت شخصيته الآسرة، وقدرته المدهشة على التعامل مع أصعب المواقف بأسلوب عادل، في جعل الملك فيصل شخصية محبوبة في بلده، بل إنه عرف دولياً بوصفه رجل دولة من الطراز الفريد، ولم يكن الملك فيصل - رحمه الله - سياسياً ماهراً ودبلوماسياً محنكاً فحسب، وإنما كان رجلاً مثقفاً، ومطلعاً، ومحباً للشعر والأدب. وكان الفيصل - بالفطرة - إنساناً عظيم التواضع والنبل والاستقامة، وكان مسلماً ورعاً ملتزماً متمسكاً بعقيدته، واستطاع أن يحدّث السعودية من دون أن ينال ذلك من هويتها الإسلامية، وكان اهتمامه عظيماً بالسعوديين، وإحساسه عميقاً بمسؤوليته في تحقيق الرفاهية لهم، وأدرك الفيصل أن تحقيق الرخاء والرفاه لبلاده، لن يكون إلا بتطوير القدرات البشرية وتنميتها، وأن المعرفة هي القوة، ومن ثم صمم على أن يكون التعليم نقطة البداية لبلوغ هذه الغاية، كما أدرك - رحمه الله- أن رحلة التحديث والتطوير طويلة وشاقة، إلا أنها مهمة وضرورية، ولكن لا بد من بدء الخطوات الأولى في هذه الرحلة الشاقة، وكان يردد دائماً بـ«إننا نبدأ الخطوة الأولى، ولا بد من السير على مهل، فلا أحد يستطيع أن يصنع المعجزات بين عشية وضحاها»، وقد استطاع الملك فيصل أن يصنع سياسة داخلية ودولية، لها فعالياتها موازناً وموائماً بين تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومقتضيات الحياة العصرية، وتحقيق المصالح العامة للبلاد، من غير أن يكون بينها أي تعارض أو تناقض.